في خطوة مفاجئة وغير متوقعة، أصدر رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي يوم السبت 20 يوليو 2025، قرارًا رسميًا بقبول استقالة وزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد، وتكليف الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، بتولي مهام وزارة البيئة بجانب منصبها الحالي لحين تعيين بديل دائم.
القرار نُشر في الجريدة الرسمية دون تقديم توضيحات كافية للرأي العام، مما فتح الباب أمام التكهنات حول خلفيات هذه الاستقالة، وأثار تساؤلات حول استقرار الحكومة وسير العمل داخل مجلس الوزراء في ظل حكم عسكري يُتهم بتهميش الكفاءات المدنية.
غموض وتضارب في التفسيرات
اللافت في الاستقالة أنها جاءت دون تمهيد أو إعلان مسبق، ولم تصدر الوزيرة أي بيان شخصي لشرح دوافعها. في المقابل، تداولت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على النظام أن "ظروفًا شخصية" تقف خلف القرار.
لكن مصادر داخل الوزارة تحدثت عن ضغوط سياسية واختلافات في وجهات النظر مع بعض مسؤولي الحكومة، خاصة بعد أن عارضت الوزيرة عددًا من المشروعات الصناعية المثيرة للجدل التي تهدد البيئة، مثل مشروعات التوسع في مصانع الأسمنت والمبيدات الكيميائية قرب مناطق سكنية.
وبحسب مصدر بيئي سابق، فإن الوزيرة كانت قد عبّرت عن اعتراضها على تخفيض موازنة وزارتها بنسبة 23% للعام المالي 2024/2025، مما اعتبرته "تعجيزًا غير مباشر" لمنع الوزارة من أداء دورها الرقابي.
من مؤتمر المناخ إلى الاستقالة
ياسمين فؤاد تولت حقيبة البيئة في يونيو 2018 ضمن التعديل الوزاري في حكومة مدبولي، وتُعد من أبرز الوجوه الفنية والأكاديمية في الحكومة، وقد حازت على اهتمام إعلامي كبير بعد ترؤسها لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27 الذي استضافته مصر في مدينة شرم الشيخ عام 2022، وشاركت في مفاوضات بيئية دولية اعتُبرت الأنجح في تاريخ الوزارة.
ورغم إنجازاتها، فإن عملها تعرّض للعرقلة من جهات نافذة داخل الدولة. كما جرى تحجيم صلاحياتها في ملفات الطاقة والصناعة، وفقًا لتقارير معارضة تتهم النظام باستخدام الوزارات الخدمية كـ"واجهة شكلية" دون تمكين حقيقي، ومع ذلك، بقيت فؤاد في منصبها لقرابة 7 سنوات، مما يجعل استقالتها الحالية تطورًا لافتًا على مستوى التوقيت والمغزى.
منال عوض: المهام المزدوجة تطرح أسئلة الكفاءة
تعيين منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، لتولي شؤون البيئة مؤقتًا يطرح تساؤلات جادة حول مدى جدية الدولة في التعامل مع الملف البيئي، خصوصًا أن مهام وزارة التنمية المحلية تشمل الإشراف على المحافظات والخدمات الأساسية، ما يعني ضغطًا إداريًا هائلًا قد يمنعها من التفرغ لقضايا البيئة المتزايدة، مثل التلوث، التغير المناخي، والنفايات الصناعية.
يُذكر أن منال عوض كانت أول امرأة تتولى منصب محافظ دمياط في 2018، قبل أن تنضم إلى حكومة مدبولي الجديدة في التعديل الوزاري الأخير منتصف يوليو 2024، وهي من الشخصيات المحسوبة على الأجهزة الأمنية، بحسب مصادر إعلامية.
هل هي أول وزيرة تستقيل في عهد السيسي؟
ليست ياسمين فؤاد أول وزيرة تغادر منصبها في عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، لكن الاستقالة في حد ذاتها تظل نادرة في نظام يتسم بالانغلاق الشديد، حيث عادة ما يتم التغيير عبر قرارات "إعفاء" أو "تعديل وزاري" دون ذكر كلمة "استقالة".
من أبرز النساء اللاتي غادرن الحكومة قبلها كانت غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، التي عُيّنت لاحقًا في الأمم المتحدة عام 2019، لكن خروجها كان بترتيب سياسي محسوب.
أما في حالة فؤاد، فإن غياب الشفافية ورفض الحكومة الكشف عن حيثيات القرار يثير الشكوك، ويعكس ما يصفه مراقبون بأنه "اضطراب إداري" في بنية النظام العسكري الذي يعتمد على الولاءات أكثر من الكفاءة.
الاستقالة أثارت ردود فعل متباينة، فبينما تجاهلت معظم وسائل الإعلام الرسمية الحدث، اعتبره نشطاء بيئيون "خسارة لوزارة البيئة" في ظل تزايد التحديات المناخية وتراجع ترتيب مصر في مؤشرات الأداء البيئي.
في المقابل، هاجم إعلام النظام بعض الأصوات المعارضة التي لمّحت إلى وجود ضغوط سياسية، واعتبروا الاستقالة "إجراءً إداريًا طبيعيًا".
اللافت أن مجلس النواب لم يصدر أي بيان بخصوص الأمر، وهو ما يراه مراقبون استمرارًا لدور البرلمان كـ"مكتب توثيق قرارات تنفيذية" لا يملك الرقابة أو المساءلة الحقيقية.
أزمة أعمق من مجرد استقالة
تشير استقالة ياسمين فؤاد إلى أزمة أعمق في نظام الحكم العسكري المصري الحالي، حيث تُستبعد الكفاءات الفنية ويُكرّس التداخل بين السياسة والأمن والإدارة، ما يؤدي إلى ترهل مؤسسي وضعف في اتخاذ القرار، وبينما يعاني المواطن المصري من أزمات اقتصادية وبيئية متفاقمة، يبدو أن حكومة الانقلاب غير معنية بالشفافية أو بتمكين وزاراتها، بقدر اهتمامها بالحفاظ على شبكة الولاءات داخل أجهزة الدولة.