كشف مصدر أمني سوري تفاصيل جديدة حول المرحلة المقبلة في محافظة السويداء بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدًا أن الحكومة السورية ستفتح ملف تبادل الأسرى والمعتقلين بين جميع الأطراف فور تثبيت الهدنة.

وأشار المصدر إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار لقي ترحيبًا أوروبيًا، بينما أعلن مجلس القبائل والعشائر السورية التزامه الكامل بقرارات الدولة، دعمًا لجهود إنهاء الاقتتال في المنطقة، وفقًا لـ"الجزيرة".

وبدأت قوى الأمن الداخلي بالفعل الانتشار التدريجي في مناطق الريف الغربي والشمالي من السويداء، مع تركيز وجودها في الطرق الرئيسية والمواقع الحيوية خارج المدن، بهدف منع الاحتكاك المباشر واحتواء التوتر.

وأضاف المصدر أن تنفيذ بنود الاتفاق سيُراقب خلال الـ48 ساعة القادمة، على أن يتم تقييم التزام الأطراف المختلفة تمهيدًا لاتخاذ خطوات إضافية.

ولفت إلى أن معابر إنسانية فُتحت بين السويداء ودرعا، من أبرزها معبرا بصرى الشام وبصرى الحرير، لتسهيل خروج المدنيين والمصابين، حتى يكتمل تمركز القوات الأمنية في المنطقة.

ومن جهتها، أعلنت وزارة الإعلام السورية، أمس السبت، بدء انتشار قوات وزارة الداخلية والأمن العام تدريجيًا في محافظة السويداء، ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الرامي إلى إنهاء الاشتباكات الدامية التي شهدتها المحافظة مؤخرًا.

وأفاد بيان رسمي صادر عن الوزارة بتشكيل لجنة طوارئ تضم عددًا من الوزارات والهيئات الحكومية، بهدف تسريع إدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى المناطق المتضررة في السويداء، وتوفير الخدمات الأساسية للمدنيين.

وأوضح البيان أن خطة وقف إطلاق النار تتضمن ثلاث مراحل أساسية: المرحلة الأولى تبدأ بفض الاشتباك بين المجموعات المسلحة داخل السويداء وقوات العشائر العربية؛ أما المرحلة الثانية فتُركّز على إيصال المساعدات الطبية والخدمات الأساسية؛ بينما المرحلة الثالثة، التي ستنطلق بعد تثبيت الهدنة، تتضمن تفعيل مؤسسات الدولة وانتشار قوات الأمن الداخلي في كامل أنحاء المحافظة.

وفي تصريحات لقناة الجزيرة، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، إن الحكومة "حريصة على تنفيذ وقف إطلاق النار بأفضل صورة ممكنة"، مؤكدًا أن سلامة المدنيين أولوية مطلقة. وأشاد البابا بتجاوب العشائر مع دعوة الرئيس أحمد الشرع للتهدئة، مطالبًا جميع الأطراف بالالتزام الكامل ببنود الاتفاق.

وكشف مصدر أمني أن من بين الإجراءات الفورية إطلاق سراح النساء والأطفال المحتجزين لدى الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون، في خطوة وُصفت بأنها بادرة حسن نية نحو التهدئة.

وفي وقت سابق اليوم، أعلنت الرئاسة السورية وقفًا شاملًا وفوريًا لإطلاق النار في السويداء، مع بدء انتشار قوات الأمن في عدة مناطق من المحافظة. وأكدت الرئاسة أن أي خرق للاتفاق سيُعتبر انتهاكًا للسيادة السورية.

من جانبه، أوضح وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى أن تطبيق الاتفاق سيتم على مراحل متتابعة، حيث يُتوقع فض الاشتباك خلال 48 ساعة. وأكد أن جميع من تورط في انتهاكات السويداء سيُحاسب وفق القانون، مشيرًا إلى أن الدولة تهدف إلى حصر السلاح بيدها، وتشكيل جيش وطني موحد، مع التركيز على مسار وطني يُشرك جميع مكونات الشعب السوري في صياغة مستقبل البلاد.

وفي موقف لافت، طالب قائد قوات الأمن الداخلي العشائر بالانسحاب من خطوط المواجهة وترك مسؤولية ضبط الأمن للدولة وحدها، مؤكدًا أن سوريا وطن لجميع أبنائها، دون أي تمييز طائفي أو مناطقي.

بدوره، أكد مجلس القبائل والعشائر السورية التزامه الكامل بوقف إطلاق النار، مع تحذيره بأن استمرار خروقات الطرف الآخر سيدفعه للرد.

دوليًا، أكدت الولايات المتحدة عبر مبعوثها الخاص إلى سوريا، توم براك، أن الاتفاق تم برعاية أميركية، بموافقة من إسرائيل والرئيس السوري، بدعم إقليمي من تركيا والأردن. ودعا براك في تصريحات له جميع مكونات الشعب السوري إلى العمل نحو بناء هوية وطنية جامعة بعيدًا عن التشرذم.

على الصعيد الإقليمي، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان اتصالًا بنظيره الأميركي ماركو روبيو، شدد خلاله على أهمية تثبيت وقف إطلاق النار وإنهاء القتال سريعًا، محذرًا من خطورة التدخلات الإسرائيلية في الأراضي السورية وتأثيرها السلبي على جهود استعادة الاستقرار.

الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أيضًا رحبا باتفاق وقف إطلاق النار، مطالبين جميع الأطراف باحترامه الكامل والتوقف الفوري عن كافة أعمال العنف.

ميدانيًا، ورغم الإعلان عن التهدئة، تحدثت مصادر ميدانية عن وقوع اشتباكات متفرقة في أحياء السويداء، وسط استمرار وجود بعض المسلحين داخل المدينة، في وقت تعمل فيه قوات الأمن على منع تدفق أي تعزيزات مسلحة من درعا ودمشق.

يُذكر أن السويداء شهدت منذ الأحد الماضي واحدة من أعنف جولات العنف بين الفصائل العشائرية والقوى المسلحة المحلية، تخللتها عمليات انتقامية وقصف إسرائيلي على مواقع سورية بحجة "حماية الدروز"، ما أدى إلى تعقيد الموقف الميداني.

وبحسب وزارة الصحة السورية، أسفرت الاشتباكات عن 260 قتيلًا و1698 مصابًا، في حين وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 321 شخصًا خلال أسبوع من القتال، بينهم نساء وأطفال وعاملون في القطاع الطبي.

ومع بدء تنفيذ الاتفاق، يترقب أهالي السويداء انتهاء دوامة العنف وعودة الاستقرار إلى المحافظة.