أطلق مئات من عمال شركة السكك الحديدية للخدمات المتكاملة نداء استغاثة جديد في يوليو 2025، مطالبين بتطبيق الحد الأدنى للأجور، الذي لا يزال بعيد المنال رغم الزيادات الرسمية المُعلنة من حكومة الانقلاب، وأكد العمال أنهم لا يتقاضون أكثر من 3000 جنيه شهريًا، في وقت تجاوز فيه خط الفقر وفق تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حاجز 6200 جنيه للأسرة الواحدة.
هؤلاء العمال، الذين يعملون في خدمات النظافة والتأمين بالسكك الحديدية، يعانون من أوضاع معيشية متدهورة، ويأملون بتدخل عاجل يحفظ كرامتهم ويوفر لهم أبسط متطلبات الحياة في ظل تضخم متصاعد وارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة فاقت 40 % خلال عام 2024 وحده.
تجاهل حكومي للفئات المهمشة,,
رغم إعلان حكومة الانقلاب في مطلع عام 2024 عن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 6000 جنيه للعاملين بالجهاز الإداري للدولة، لم تشمل هذه الزيادة العمال في الشركات التابعة أو المملوكة للدولة مثل شركة الخدمات المتكاملة، وهو ما أثار غضبًا واسعًا في صفوف العمال الذين وصفوا الوضع بأنه "تمييز صارخ".
ومع تسارع خطط تطوير قطاعات النقل وتحديث أسطول القطارات بميزانيات تفوق 56 مليار جنيه، يتساءل العاملون: لماذا لم تنعكس هذه الاستثمارات الهائلة على تحسين مستواهم المعيشي أو على تطبيق الحد الأدنى للأجور الملائم للظروف الاقتصادية الراهنة
ويتساءل العاملون: لماذا لا يُطبق الحد الأدنى على كل شرائح المجتمع؟ ولماذا يُستثنى العاملون في وظائف حيوية ومرتبطة بالأمن والسلامة العامة؟ تصريحات المسؤولين، وعلى رأسهم وزير المالية محمد كوجوك، تركزت على "الأعباء المالية" التي تعيق تعميم الزيادة، متجاهلين أن الإنفاق على المشروعات الفاخرة والعاصمة الإدارية الجديدة يتجاوز مئات المليارات دون فائدة مباشرة للطبقات الكادحة.
أين وعود كامل الوزير؟
منذ توليه وزارة النقل عام 2019، وعد الفريق كامل الوزير بتحسين أوضاع عمال السكك الحديدية، وصرّح في أكثر من مناسبة أن "كل من يعمل في قطاع النقل سيكون له الحق في أجر عادل وتأمين وظيفي مستقر"، إلا أن الواقع خالف هذه التصريحات؛ فالعمال لا يتمتعون بأي مزايا وظيفية، ويعملون في ظروف قاسية، دون حماية تأمينية حقيقية، ويُجبرون على توقيع عقود مؤقتة لا تكفل لهم الاستقرار.
في عام 2021، نشرت تقارير حقوقية أن ما لا يقل عن 60 ألف عامل في شركات السكك الحديدية التابعة يعانون من التهميش المالي والإداري، دون أن يُحرّك الوزير ساكنًا، مكتفيًا بالتصريحات الإعلامية الرنانة.
الوزير الذي فشل في كل الملفات.. إلا الاقتراض
يواجه كامل الوزير، الذي أصبح رمزًا للقرارات غير المدروسة في وزارة النقل، انتقادات واسعة بسبب فشله في تنفيذ إصلاحات حقيقية داخل القطاع، ففي الوقت الذي تتراكم فيه شكاوى العمال، يُواصل الوزير سياسة الاقتراض المفرط، حيث أبرمت الوزارة ما لا يقل عن 12 قرضًا خارجيًا بين 2020 و2024، بلغ مجموعها أكثر من 10 مليارات دولار، بزعم تطوير القطارات والبنية التحتية، غير أن هذه القروض لم تنعكس على تحسين ظروف العمل أو الأجور، بل زادت من مديونية الدولة وأثقلت كاهل الأجيال القادمة، فيما تذهب معظم العقود لشركات أجنبية أو مقاولين مقربين من المؤسسة العسكرية.
منظومة سكك حديدية تعاني من التآكل المؤسسي
السكك الحديدية المصرية، التي كانت يومًا من أقدم وأهم شبكات النقل في الشرق الأوسط، أصبحت تعاني من تآكل مؤسسي واضح، بحسب تقرير البنك الدولي في ديسمبر 2023، فإن نحو 65% من الجرارات والعربات بحاجة إلى تحديث شامل، في وقت تتراجع فيه كفاءة التشغيل وتزداد فيه معدلات الحوادث بنسبة 20 % مقارنة بعام 2020.
وأشار التقرير إلى أن سوء الإدارة وغياب العدالة في توزيع الأجور يعدّان من أهم أسباب فشل منظومة النقل العام في مصر، مع تهميش الكوادر العاملة والتركيز على "الاستعراضات السياسية" بدلاً من الإصلاح الهيكلي الحقيقي.
أين العدالة الاجتماعية التي وعد بها السيسي؟
تُظهر هذه القضية بوضوح أن العدالة الاجتماعية التي طالما رفعها عبد الفتاح السيسي في خطاباته لا تزال بعيدة عن التنفيذ.
ففي حين يُفرض على المواطن ضرائب جديدة ويُحرم العامل البسيط من الحد الأدنى للأجور، تتوسع الدولة في الإنفاق على مشروعات تفتقر إلى الأولوية والشفافية.
وفي وقت تعاني فيه ملايين الأسر من التضخم والبطالة وتدني الرواتب، لا يجد العمال سوى إطلاق نداءات استغاثة في محاولة يائسة لسماع صوتهم.
ويبقى السؤال: إلى متى سيظل نظام الانقلاب المصري يعاقب الطبقات العاملة ويمنح امتيازاته للمتنفذين والعسكريين فقط؟