يبدو من المفارقة الاعتماد على دونالد ترامب لإنقاذ الفلسطينيين، لكنه في الواقع أكثر رئيس أمريكي مؤخرًا امتلك القدرة على مطالبة الحكومة الإسرائيلية بوقف قمعها الوحشي للفلسطينيين. صحيح أن ترامب منح إسرائيل حتى الآن حرية مطلقة لارتكاب الإبادة في غزة، لكن بنيامين نتنياهو لا يمكنه الوثوق برئيس أمريكي متقلب ومصلحي كترامب. وربما توجد طريقة لتحويل موقفه.
معظم الرؤساء الأمريكيين التزموا بالدفاع عن إسرائيل، رغم جرائمها، خوفًا من الغضب السياسي، خاصة من الإنجيليين المسيحيين واليهود المحافظين المرتبطين بجماعة الضغط إيباك. لكن ترامب أقل عرضة لهذا الضغط، نظرًا لانعدام المنافسين السياسيين على يمينه، ما يجعله حرًّا نسبيًا في اتخاذ مواقف لا ترضي مؤيدي إسرائيل.
ترامب استغل هذه الحرية ليخالف نتنياهو في عدة قضايا: رفع العقوبات عن السلطات السورية المؤقتة رغم اعتراض إسرائيل، وعقد صفقة مع الحوثيين لوقف استهداف الملاحة دون مطالبتهم بوقف الهجمات على إسرائيل، ووافق على مفاوضات مباشرة مع حماس، وسعى للتفاوض مع إيران في حين أراد نتنياهو قصفها. كما زار الخليج العربي دون المرور بإسرائيل، وضغط مرتين على نتنياهو للموافقة على تهدئة مؤقتة في غزة.
لكن من جهة أخرى، دعم ترامب إسرائيل بشكل واضح في ملفات أخرى. سمح باستئناف تسليم القنابل الثقيلة التي أوقفها بايدن بسبب استخدامها في تدمير أحياء فلسطينية، واستخدم الفيتو ضد قرار من مجلس الأمن يدعو لوقف فوري لإطلاق النار، وفرض عقوبات على مدعي المحكمة الجنائية الدولية بسبب اتهامه لنتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بارتكاب جرائم حرب، واستهدف قضاة المحكمة ومقررًا أمميًا بسبب موقفهم من الإبادة الجارية في غزة.
ورغم هذا الدعم، لا يضمن نتنياهو استمرار تأييد ترامب. فالعلاقة بين الرجلين تتسم بالبرود والشك، وترامب لا يتمتع بالثبات أو الولاء، بل تحركه مصالحه السياسية والشخصية فقط. وبالتالي، توجد أسباب عديدة قد تدفع ترامب لتغيير موقفه من نتنياهو.
من بين هذه الأسباب، ضيقه المتكرر من الأموال التي تنفقها واشنطن على دعم أوكرانيا، في حين ضخّت أكثر من 22 مليار دولار لدعم الحرب الإسرائيلية على غزة، وهو رقم يعادل أكثر من 300 مليار منذ تأسيس إسرائيل. هذا السخاء، الذي يعتبره نتنياهو حقًا مكتسبًا، قد يثير استياء ترامب في أي لحظة.
كما قد يشعر ترامب بالإهانة من محاولة نتنياهو استرضاءه بشكل فاقع حين أعلن ترشيحه لجائزة نوبل للسلام خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، في محاولة للتغطية على جرائمه بحق الفلسطينيين وسعيه للبقاء في الحكم رغم تهم الفساد التي تلاحقه.
ترامب، في المقابل، يبدو فعليًا مهتمًا بجائزة نوبل. لكنه لن ينالها بدعم تطهير عرقي في غزة، أو بخطة وزير الدفاع الإسرائيلي لحبس الفلسطينيين في "معسكر اعتقال"، كما وصفه رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت. الجائزة تتطلب إنهاءً حقيقيًا للصراع، لا مجرد إعادة إنتاج لنظام الفصل العنصري.
صحيح أن من الصعب تصور ترامب يتبنّى قيام دولة فلسطينية، خاصة أنه عيّن سفيرًا لإسرائيل يرى أن مكان الدولة الفلسطينية يجب أن يكون خارج فلسطين. لكن طموح ترامب لدخول كتب التاريخ، وحبه الشديد للمديح، قد يجعله يفكر في تغيير جذري لموقفه.
قبل أيام، هاجم ترامب بوتين قائلاً: "يأتينا كلام فارغ كتير من بوتين، يكون لطيف جدًا، ولكن كله بلا قيمة." هذه العبارة تنطبق تمامًا على نتنياهو.
فلماذا يترك ترامب نتنياهو يخدعه كما خدعه بوتين؟ كيف يصف نفسه بـ"أستاذ التفاوض" وهو عاجز عن استخدام نفوذه الهائل للضغط على نتنياهو لوقف قصف وتجويع المدنيين الفلسطينيين؟ هل يفتقر ترامب للحنكة اللازمة للانتقال من صفقات العقارات إلى التفاوض الدولي؟
ربما يكره ترامب سماع هذه الأسئلة، لكن حاشيته لن تطرحها عليه. الآخرون يجب أن يفعلوا. فربما يكون غرور ترامب وحاجته المَرَضية للثناء هما الأمل الأخير للفلسطينيين في تغيير الموقف الأمريكي.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/17/trump-palestinians-gaza