في ظل الضجيج الإعلامي والدعاية السياسية التي أحاطت بإعلان نظام الانقلاب المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي لمشروع "استصلاح واستزراع 1.5 مليون فدان"، ظلت النتائج على الأرض متواضعة بل تكاد تكون معدومة، وهو ما يطرح تساؤلات حادة حول أسباب تعثر المشروع، ومصير مليارات الجنيهات التي أُنفقت، ودوافع النظام في إطلاق مشاريع عملاقة لا تكتمل.
في ديسمبر 2015، أعلن السيسي رسميًا عن إطلاق المشروع من منطقة الفرافرة في محافظة الوادي الجديد، باعتباره أحد أعمدة مشروع "النهضة الزراعية" وأحد بنود "رؤية مصر 2030".
وُصِف المشروع آنذاك بأنه "نقلة نوعية في الأمن الغذائي المصري" ويهدف إلى تقليل الفجوة الغذائية وتوفير فرص عمل للشباب وتخفيف التكدس السكاني في الدلتا.
وقد أعلن السيسي بنفسه أن المشروع سيشمل استصلاح أراضٍ في مناطق متعددة، أبرزها: الفرافرة، المغرة، غرب غرب المنيا، توشكى، وسيناء، وأنه سيتم الانتهاء منه على ثلاث مراحل متتالية.
إنجاز متواضع
رغم مرور نحو 9 سنوات على إطلاق المشروع، لم يتم استصلاح سوى 300 ألف فدان وفقًا لتقارير رسمية صادرة عن شركة "الريف المصري"، أي ما يعادل 20% فقط من الهدف الكلي، واللافت أن أغلب هذه المساحات لا تزال تواجه تحديات في الزراعة، وتفتقر للبنية التحتية الأساسية مثل شبكات الري والكهرباء والطرق.
وفي أكتوبر 2022، اعترف وزير الزراعة الأسبق، الدكتور عصام فايد، أن المشروع "يواجه صعوبات متعلقة بالمياه، والتربة، والبنية التحتية"، محذرًا من "تكرار أخطاء توشكى في عهد مبارك، حين ضاعت مليارات في الرمال".
التكاليف الحقيقية.. مليارات مهدرة
رغم غياب الشفافية حول التكلفة الكلية للمشروع، فإن تصريحات متفرقة من مسؤولي الحكومة تشير إلى أن الدولة أنفقت ما لا يقل عن 6 مليارات جنيه في البنية التحتية الأولية خلال السنوات الأولى فقط، بخلاف تكلفة الإنفاق على محطات المياه والطرق والمكاتب الإدارية.
في 2018، كشف تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات عن "إهدار في المال العام وسوء تخطيط" في بعض مواقع المشروع، خاصة في منطقة المغرة، حيث تبين وجود مساحات لا تصلح للزراعة بسبب نسبة الملوحة المرتفعة ونقص مياه الري.
لماذا فشل المشروع؟
رغم الطموحات الكبيرة التي رافقت الإعلان عن المشروع، إلا أن تنفيذ المشروع واجه العديد من العقبات، مما أدى إلى توقفه أو تعثره بشكل شبه كامل، فقد أعلن السيسي أن المشروع سينفذ خلال عام ونصف إلى عامين، لكن حتى الآن لم يتم تحقيق الأهداف المعلنة، ويرجع توقف المشروع إلى عدة أسباب رئيسية:
- سوء التخطيط والفساد: كما يشير كاتب أمريكي، فإن مشاريع السيسي الكبرى تعاني من سوء التخطيط والفساد المستشري، وهو ما أدى إلى فشل العديد من المشاريع القومية مثل توسعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة، التي لم تحقق النتائج المرجوة رغم ضخامة التكاليف.
- الأزمة الاقتصادية والديون: تعاني مصر من أزمة ديون متفاقمة، حيث بلغ مجموع الديون نحو 101% من إجمالي الناتج المحلي بحلول أواخر 2018، مع كلفة خدمة دين تصل إلى 31% من ميزانية 2016-2017، هذه الأزمة حدت من قدرة الحكومة على تمويل المشاريع الضخمة، مما أدى إلى توقف بعضها أو تأجيله.
- عدم توفر التمويل الكافي: انسحب المستثمرون الخليجيون والصينيون من مشاريع ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، ما يعكس ضعف الثقة في قدرة الحكومة على إنجاز مشاريعها الضخمة.
- مشاكل التنفيذ والبيروقراطية: رغم وعود السيسي بتسهيل إجراءات منح الأراضي وتقليل الفوائد البنكية، إلا أن الإجراءات الروتينية والبيروقراطية تعرقل تنفيذ المشروع، إضافة إلى ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص.
تكلفة المشروع لم تُعلن بدقة، لكن تقديرات المشاريع الضخمة التي أطلقها السيسي تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات، وهو ما يمثل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد المصري، خاصة في ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية وارتفاع معدلات البطالة التي تصل إلى حوالي 13%
الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، صرّح في أكثر من مناسبة أن المشروع كان "محاولة للقفز على الحقائق، لأن مصر ببساطة لا تمتلك المياه اللازمة لاستصلاح 1.5 مليون فدان في وقت واحد"، وأضاف: "المياه الجوفية ليست حلًا مستدامًا، والاستخراج العشوائي يؤدي إلى نضوب المخزون المائي".
مشروع المليون ونصف فدان ليس الوحيد الذي واجه الفشل في عهد السيسي. مشاريع أخرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة، محور قناة السويس، ومدينة العلمين الجديدة، كلّفت عشرات المليارات من الدولارات، دون أن تحقق عائدًا اقتصاديًا حقيقيًا، أو تُحسّن مستوى معيشة المواطن العادي.
أين المحاسبة؟
لا توجد حتى الآن محاسبة سياسية أو قانونية عن تعثر مشروع المليون ونصف فدان، كما لم تُعلن الحكومة عن نتائج لجنة التقييم التي شُكّلت في 2020 لإعادة هيكلة المشروع، ما يفتح الباب أمام اتهامات بتغطية الإخفاقات وغياب الشفافية.
يرى معارضون أن المشروع لم يكن سوى دعاية انتخابية وواجهة سياسية، تهدف إلى الترويج لإنجازات وهمية في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة.
مشروع استصلاح 1.5 مليون فدان الذي وُصف يومًا بأنه "المنقذ الغذائي لمصر"، تحوّل إلى مثال على فشل إدارة السيسي في تنفيذ مشاريع تنموية حقيقية، فالمليارات أُهدرت، والوعود لم تُنفّذ، والنتائج لم تصل للمواطن.