في مساء الثالث من يوليو 2013، أعلن وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي تعليق العمل بالدستور وعزل أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في تاريخ مصر، الدكتور محمد مرسي، في انقلاب عسكري مدعوم داخلياً وخارجياً.

هذا التحول الدراماتيكي مثّل لحظة فاصلة أنهت مكتسبات ثورة 25 يناير، وأعادت العسكر إلى قلب المشهد السياسي، بعد عامين فقط من خروجهم منه.

تذرع السيسي حينها بـ"الإرادة الشعبية"، مستندًا إلى مظاهرات 30 يونيو، لكن الواقع أثبت لاحقًا أن ما جرى كان عملية ممنهجة لإجهاض المسار الديمقراطي الوليد.

 

دستور مفصّل على مقاس الحكم العسكري

أول إجراء دستوري عقب الانقلاب كان تعطيل دستور 2012، الذي أُقر في عهد الرئيس مرسي بنسبة 63.8% من أصوات الناخبين. وبدلاً من تعديله أو تطويره، تمت كتابته من جديد عبر لجنة معينة من قبل سلطات الانقلاب، تحت مسمى "لجنة الخمسين"، وأُقر دستور 2014 في استفتاء افتقر إلى الحد الأدنى من الشفافية، وسط مقاطعة قوى معارضة وغياب أي منافسة إعلامية.

هذا الدستور منح القوات المسلحة صلاحيات غير مسبوقة، أبرزها الحق في المصادقة على تعيين وزير الدفاع حتى 2022، ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، وترسيخ ما يُعرف بـ"دولة السلاح".

 

تفكيك الحياة السياسية

منذ 2013، شهدت مصر انهيارًا شبه تام للحياة الحزبية، حيث تعرضت عشرات الأحزاب السياسية المعارضة، مثل "الوسط" و"مصر القوية" و"الحرية والعدالة"، لحظر أو تضييق شديد، فيما فُرض على الأحزاب الباقية الاصطفاف خلف السلطة.

لم يُسمح بتشكيل كيانات حقيقية تعبّر عن الرأي الآخر، وظهر ما يُعرف بأحزاب "الديكور" التي لا تلعب أي دور فعلي.

البرلمان الذي جرى انتخابه عام 2015، بعد عامين من تعطيله، جاء أغلب أعضائه من رجال الأعمال وقوى الأمن السابقين، أو من موالين مطلقين للنظام، ضمن ما يُعرف بقائمة "في حب مصر".

 

تعديلات 2019.. السيسي رئيسًا مدى الحياة

في إبريل 2019، مرر النظام تعديلات دستورية مثيرة للجدل، وُصفت بأنها الضربة القاضية لما تبقى من روح الدستور.

أبرز ما جاءت به تلك التعديلات هو تمديد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات بدلًا من 4، وفتح الباب أمام السيسي للبقاء في الحكم حتى عام 2030، عبر مادة "انتقالية" صيغت خصيصًا له.

كما نصّت التعديلات على تعزيز سلطة الرئيس على القضاء، وجعل مجلس الشيوخ هيئة شكلية لا دور لها.

اعتبرت هذه التعديلات "ترسيخًا لديكتاتورية مقننة"، وهو ما رفضته منظمات حقوقية محلية ودولية، منها "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية".

 

قمع المعارضة وتدوير المعتقلين

في ظل حكم السيسي، تحولت مصر إلى واحدة من أكثر الدول قمعًا للمعارضين، وفق تصنيفات متكررة من "مراسلون بلا حدود" و"فريدوم هاوس".

طالت حملة الاعتقالات سياسيين، وصحفيين، وحقوقيين، وأكاديميين، وأبرز الأمثلة اعتقال رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، والمرشح الرئاسي السابق هشام جنينة، وآلاف من شباب ثورة يناير.

كما تم ابتكار آلية "التدوير"، حيث يُعاد حبس المعتقلين بعد انتهاء محكوميتهم على ذمة قضايا جديدة، ما أدى إلى إفراغ الساحة من أي صوت معارض حقيقي، وتحويل العمل السياسي إلى تهمة.

 

دولة بلا تداول سلطة

شهدت مصر منذ الانقلاب 3 استحقاقات رئاسية (2014، 2018، 2024) جرت جميعها في ظل أجواء أمنية مشددة، مع غياب أي منافس حقيقي للسيسي.

انتخابات 2018، على سبيل المثال، شهدت انسحاب أو اعتقال أبرز المرشحين، مثل الفريق سامي عنان والعقيد أحمد قنصوة.

أما انتخابات 2024، فقد قاطعتها المعارضة الحقيقية، بينما أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات فوز السيسي بنسبة تجاوزت 89%، في مشهد يعيد إلى الأذهان استفتاءات الأنظمة الاستبدادية القديمة.

وهكذا، لم يعد التداول السلمي للسلطة أمرًا واردًا في ظل هذا النظام، بل باتت الدولة تُدار عبر قبضة أمنية وإعلام موالٍ بالكامل.