في الذكرى الثانية عشرة لبيان 3 يوليو 2013، الذي أذاعه عبد الفتاح السيسي حين كان وزيراً للدفاع، معلناً عزل أول رئيس مصري منتخب الدكتور محمد مرسي، تتكشف أبعاد مشهد سياسي لم يتحقق منه سوى تثبيت حكم الرجل الواحد، فيما تفرقت السبل برفاقه، وتبخرت الوعود التي حملتها خارطة طريق الثورة المضادة.
في ظهيرة ذلك اليوم، وقف السيسي بين 14 شخصية من رموز دينية وسياسية وعسكرية، معلناً "خريطة طريق" قيل إنها جاءت استجابة لمطالب شعبية.
تضمنت الخريطة بنوداً براقة مثل "مصالحة وطنية شاملة"، و"تمكين الشباب"، و"عدالة انتقالية"، و"إعلام مهني"، و"انتخابات حرة"، لكنها تحولت لاحقاً – بحسب منتقدين – إلى مجرد أدوات لتسويق الانقلاب وتبييض صورته داخلياً وخارجياً.
خريطة بلا طريق
يشير أستاذ العلوم السياسية د. حسن نافعة إلى أن القوى المدنية التي شاركت في مشهد 3 يوليو ظنت أن الجيش يتدخل لإنقاذ انتفاضة شعبية ضد الإخوان، ولكن "ما تلا ذلك من إجراءات أثبت أن ما جرى كان ترتيباً لتمكين السيسي من الحكم، وليس لإنهاء مرحلة انتقالية".
ويضيف نافعة: "البيان قدم وعوداً عن انتخابات برلمانية قبل الرئاسية، ومصالحة وطنية، ولكن الواقع أثبت أن تلك البنود كانت أدوات للتعمية. جرى تنفيذ خريطة جديدة صُممت خصيصاً لمقاس طموحات السيسي والجيش في السلطة المطلقة".
انقلاب داخل الانقلاب
المرشح الرئاسي السابق وزعيم حزب "غد الثورة" أيمن نور يصف بيان 3 يوليو بأنه "انقلاب على إرادة الثورة" ثم تلاه "انقلاب على الانقلاب نفسه".
ويقول إن البنود التي لامست مشاعر المصريين في البيان، مثل رفض الحكم العسكري والمصالحة الوطنية، سرعان ما تلاشت أمام حقيقة التمكين الكامل للسيسي.
نور يستهزئ بما قيل عن تمكين الشباب: "التمكين كان في الزنازين والمقابر، فهؤلاء الشباب هم من دفعوا الثمن الأكبر، إما اعتقالاً أو قتلاً أو منفى"، ويضيف أن "الإعلام الذي كان يُبشر بميثاق شرف، تحول إلى أداة تحريض على القتل، وتضليل الرأي العام، وتخوين كل معارض."
خديعة كبرى باسم الشعب
يرى ممدوح المنير، رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية، أن بيان 3 يوليو كان خديعة مُحكمة، ويقول إن السيسي "استغل مشاعر الناس المتعبة من الإخوان، ليتقمص دور المنقذ الزاهد في الحكم، ثم سرعان ما كشف عن وجهه الحقيقي".
ويؤكد المنير أن خارطة الطريق كانت مجرد واجهة لما تم تنفيذه لاحقاً: "قُمعت المصالحة، ووُئدت العدالة، وأُجهضت أي محاولات للإصلاح، حتى تحوّل الإعلام إلى لسان الجيش، وتم الزج بآلاف الشباب إلى السجون، بينما غابت التنمية وتدهورت الخدمات".
السلطة أولاً.. البرلمان لاحقاً
قطب العربي، رئيس المرصد العربي لحرية الإعلام، يشير إلى أن السيسي "أثبت شهوة لا تُكبح للسلطة"، فقد قرر إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، رغم ما ورد في بيان 3 يوليو، ثم ألغى وزارة العدالة الانتقالية وأقال وزيرها الوحيد دون تعيين بديل.
ويضيف العربي: "كل من شارك في مشهد 3 يوليو يدفع الآن ثمن الغرور السياسي، فبعضهم في السجون، وآخرون في المنافي، وآخرون تحت رحمة إعلام ينهشهم بعد أن كانوا شركاء في البيان ذاته."
شركاء الصورة.. بين ندم وصمت وهروب
من بين 15 شخصية حضرت إعلان بيان الانقلاب، بات كثير منهم خارج المشهد كلياً. محمد البرادعي، الذي عُين نائباً للرئيس المؤقت، أعلن لاحقاً أنه فوجئ في اجتماع 3 يوليو باحتجاز مرسي، وقال في بيان شهير إنه "اكتشف لاحقاً أن الأمور لا تسير في الاتجاه الصحيح".
استقال البرادعي عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، معتبراً أن "الحلول السياسية تراجعت تماماً أمام الخيارات العسكرية". استقالته لم تغفر له، فقد طالته سهام التخوين، وهاجمته أبواق النظام لسنوات، رغم أنه كان من أبرز وجوه التيار المدني الداعمة لـ30 يونيو.
الإمام أتعب السيسي
لم يكن شيخ الأزهر أحمد الطيب مؤيداً لثورة يناير 2011، وكان يعتبرها "دعوة للفوضى وحراماً شرعاً"، وهو الموقف الذي أثار انتقادات واسعة، خصوصاً من شباب الثورة.
وقد تبدّل موقفه لاحقاً، لكنه لم يُظهر دعماً واضحاً للرئيس المنتخب محمد مرسي، بل أعطى ـ بحسب مراقبين ـ "الضوء الشرعي الأخضر" للانقلاب عليه، من خلال مشاركته البارزة في مشهد 3 يوليو.
أيّد الطيب عزل مرسي وشارك في بيان الانقلاب قائلاً إن ذلك يأتي "عملاً بقاعدة شرعية إسلامية تقول إن ارتكاب أخف الضررين واجب شرعي، وخروج من المأزق السياسي الذي وقع فيه الشعب، بين مؤيد ومعارض، فإنني أؤيد قرار إجراء انتخابات رئاسية مبكرة".
لكن مع سقوط ضحايا بعد أيام من الانقلاب، أكد الطيب -في بيان صوتي أذيع مرة واحدة فقط- أنه لم يعلم بقرار فض اعتصام رابعة الذي أسقط آلاف القتلى والجرحى، معلناً اعتكافه في بيته "منعاً لجر البلاد إلى حرب أهلية، وحتى يعرف الجميع مسؤوليته تجاه وقف نزيف الدم".
لاحقاً، خاض الشيخ صراعات فكرية وسياسية بارزة مع السيسي ومؤيديه، مما دفع بعضهم للمطالبة بتشريع يتيح عزله، وهو ما لم يتحقق، لكنه ظل موضع هجوم دائم من أبواق النظام، لا سيما بعد رفضه مقترحات رئاسية تتعلق بـ"تجديد الخطاب الديني"، حتى قال له السيسي ذات يوم في خطاب علني: "تعبتني يا فضيلة الإمام".
هل تبدد قلق الأقباط؟
على الجانب الآخر، حملت مشاركة البابا تواضروس الثاني رغبة في تبديد "قلق الأقباط"، وقال في بيان 3 يوليو إن مصر تدخل "عهداً جديداً ودستوراً جديداً"، غير أن تلك المشاركة لم تضمن الأمان للمسيحيين، إذ لم تتوقف حوادث التفجير والاعتداء على الكنائس، خصوصاً في سيناء.
ورغم التحديات، استمر البابا في إعلان تأييده المطلق للسيسي، الذي دأب على مخاطبة الأقباط بكلمات عاطفية، وزيارة الكنائس في الأعياد الدينية، لتأكيد حضوره الرمزي والسياسي.
رفقاء المشهد.. من القصر إلى الهامش
مع مرور السنوات، انفضّ جمع رفقاء 3 يوليو، فمنهم من توارى عن المشهد، ومنهم من انقلب عليه النظام، أو أصبح جزءاً من المعارضة، ومنهم من غيّبته السجون أو المنافي.
حزب النور، الذي منح الانقلاب غطاءً دينياً سلفياً، تراجع حضوره السياسي، وتعرض قادته لحملات تشويه رغم ولائهم، وباتوا يوصفون في الإعلام الرسمي بـ"الظلاميين".
أما حركة تمرد، فرغم اختفائها من المشهد، فإن أبرز وجوهها محمود بدر الشهر بـ"محمود بانجو" حظي بمكافأة مجزية، فأصبح برلمانياً وصاحب نفوذ اقتصادي، فيما اختفى زملاؤه، وأعلن بعضهم ندمه لاحقاً.
شاهد: