بعد مرور ثمانين عامًا على إلقاء الولايات المتحدة القنابل الذرية على هيروشيما وناجازاكي، وأربعين عامًا على تعهّدها مع الاتحاد السوفيتي بتقليص الترسانة النووية، عاد شبح الحرب النووية للظهور مجددًا. وأكّد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن زمن نزع السلاح انتهى، في ظل تزايد الترسانات النووية، وتصاعد الخطاب التهديدي، وتفكك اتفاقات الحد من التسلح.
الدول التسع التي تملك أسلحة نووية راكمت ترسانة تعادل 145 ألف قنبلة من نوع هيروشيما. الهجوم غير القانوني الذي شنّته إسرائيل على إيران يروَّج له كخطوة استباقية لمنع طهران من الانضمام إلى هذا النادي، رغم أن إسرائيل نفسها عضو غير معلن فيه منذ عقود. ورغم أن إيران تمتلك القدرة على تطوير سلاح نووي، إلا أن الاستخبارات الأمريكية تؤكّد أنها لم تتخذ القرار بعد، وستحتاج إلى نحو ثلاث سنوات لإنجازه.
هجمات إسرائيل لا تبدو ناتجة عن فشل المسار الدبلوماسي الأمريكي، بل على العكس، يبدو أنها تستبق نجاحه المحتمل. إذ أن كثيرًا من الأهداف التي استهدفتها إسرائيل لا علاقة لها بالبرنامج النووي الإيراني، وبعضها لا يمت بصلة حتى للمجال العسكري. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبّر مرارًا عن هدفه الأعمق: إسقاط النظام.
لا يعتقد كثيرون أن إسرائيل قادرة على تدمير البرنامج النووي الإيراني دون مشاركة أمريكية. ويبدو أن نتنياهو يحاول جرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى خوض الحرب إلى جانبه، في حال لم ينجح في انتزاع صفقة سلام، فربما يرضى بانتصار عسكري. ورغم تردّد ترامب، فإن تصاعد التهديدات قد يدفعه لاستخدامها كورقة ضغط.
لكن التهديد الأخطر عالميًّا هو انتشار السلاح النووي. مع اقتراب انتهاء آخر اتفاق قائم بين واشنطن وموسكو (معاهدة "نيو ستارت") في فبراير المقبل، سيصبح الطرفان دون أي قيود على ترساناتهما لأول مرة منذ نصف قرن، بينما يُواصل كلاهما تحديث أسلحته. الصين لا تزال متأخرة عدديًّا، لكنها الأسرع نموًا في ترسانتها.
وفي بريطانيا، كشف استعراض الدفاع الاستراتيجي الأخير عن نية إنفاق 15 مليار جنيه إسترليني على رؤوس نووية جديدة تطلق من الغواصات، مع احتمال إعادة إدخال رؤوس تطلق من الجو. كوريا الشمالية تبني منشأة تخصيب ثالثة، بينما يزداد الدعم الشعبي في كوريا الجنوبية لتطوير سلاح نووي مستقل.
لا تزداد الأسلحة قوة فحسب، بل تزداد خطورة، إذ يؤدي المزج بين القدرات التقليدية والنووية إلى رفع احتمالات الخطأ في التقدير. والعالم اليوم يعج بنقاط توتر: روسيا تهدد نوويًا في أوكرانيا، والهند استخدمت صواريخ كروز من طراز "براهموس" في مواجهتها الأخيرة مع باكستان، مما ينذر بمرحلة خطيرة في جنوب آسيا.
أرسل غزو العراق عام 2003، في مقابل بقاء كوريا الشمالية، رسالة واضحة: السلاح النووي يحمي، أما التخلي عنه فلا. والهجوم على إيران، رغم أنها كانت قد قيدت برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات، سيُرسّخ هذا الاعتقاد، ويزيد من احتمالات اندفاعها نحو تصنيع القنبلة بعيدًا عن الرقابة الدولية، وسيدفع دولًا أخرى مثل السعودية للحذو حذوها.
نددت الدول العربية والإسلامية بحق بهجمات إسرائيل، ودعت إلى نزع السلاح الشامل دون انتقائية. ومع أن هذه الدعوة قد تبدو أكثر بُعدًا عن الواقع من أي وقت مضى، إلا أن ما يجري الآن هو الدليل الأوضح على الحاجة الملحة إليها. لأن سباق التسلح النووي لا يمكن أن يفرز منتصرين.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jun/18/the-guardian-view-on-israel-the-us-and-iran-you-cant-bomb-your-way-out-of-nuclear-proliferation