في تقرير نشره موقع ميدل إيست آي، تروي السيدة الفلسطينية عزيزة قشطة من خربة العدس في رفح، جنوب قطاع غزة، قصة فقدان زوجها ودفنه بيديها خلال حصار إسرائيلي خانق دام شهرين.

في حديقة بيتها المحاصر، حفرت عزيزة قبرًا لزوجها بيديها العاريتين، ولفّت جسده بستارة نافذة بعد أن لم تجد كفنًا. زوجها إبراهيم قشطة، البالغ من العمر 70 عامًا، أُصيب بشظية في رقبته خلال الاجتياح الإسرائيلي لرفح في وقت سابق من هذا العام، ومات بعد ساعات من النزف.

خلال الشهرين، بقي الزوجان في منزلهما رغم القصف الكثيف من كل الجهات. رفض إبراهيم مغادرة منزله، وكانت عزيزة ترد عليه: "بعد خمسين سنة معًا، لا أتركك أبدًا".

اعتمد الزوجان في بقائهما على مؤن قليلة مثل المعلبات والأرز والمعكرونة. وكانت المياه تُجلب من مبنى قريب إذا سمحت الظروف. القصف لم يتوقف، وكانت أصوات الرصاص والدبابات تحيط بهما. رغم تدمير منزل ابنها المجاور وبيت أقاربها، أصرّا على البقاء.

في أحد الأيام، دمر القصف باب البيت الحديدي، وغطى الغبار المكان. بعد أن انقشع الغبار، لاحظت عزيزة أن زوجها ينزف من رقبته. حاولت إسعافه بما توفر، وغسل جرحه، ورفعه على ظهرها رغم وزنه. سارت به ببطء، تتوقف لترتاح، وتواصل المشي، لكن النزيف لم يتوقف.

نقلته إلى بيت قريب لأحد أقاربها، وأطعمته ملعقة عسل وبعض الماء، ثم طلب أن تُسكب الماء على رأسه. جلست بجانبه، تراقبه، وعندما رأت يده ترتجف ثم ترتخي، أدركت أنه توفي.

بحثت في الحديقة عن مكان لدفنه، فوجدت حفرة صغيرة قرب شجرة زيتون. وضعت جسده في كيس بلاستيكي، وبدأت تدحرجه بحذر حتى استقر في الحفرة. استغرق الدفن ساعتين، غطته أولًا بصفائح الزنك، ثم بالخشب، وأخيرًا بالتراب، وقرأت عليه آيات من القرآن، باكية بصمت.

في 10 مايو، سقط إبراهيم شهيدًا، لكن عزيزة بقيت وحدها في البيت لأسبوعين آخرين حتى نفد الطعام والماء تمامًا في 24 مايو. سمعت أصوات طائرات مسيرة ونيران، فبدأت تشك أن القبر قد قُصف. في اليوم التالي، توجهت لتفقد القبر، فوجدت الزنك مثقوبًا بالرصاص ورأس زوجها مكشوفًا. أعادت دفنه بيدها، وعمّقت القبر، وأعادت التغطية، ثم عادت إلى بيتها، احتست الشاي، وتناولت فطورًا بسيطًا بالماء القليل المتبقي.

لاحقًا، قررت مغادرة المنزل ومواجهة الجنود الإسرائيليين. حملت عصًا عليها قطعة قماش بيضاء وحقيبتين صغيرتين، وتوجهت إلى نقطة تفتيش عسكرية. رماها الجنود بزجاجة ماء مثقوبة، ثم طالبوها بخلع حجابها، مهددين بقتلها إن رفضت. بعد أن أذعنت، جعلوها تمشي معهم، لكنها تعبت بعد عشر دقائق، فنقلوها بسيارة عسكرية.

سألها أحد الجنود عن اسمها وأولادها، فأجابت أن لديها أربعة أبناء وتسع بنات. سألوها عن سبب بقاء زوجها، فقالت: "رفض المغادرة، ولم أستطع تركه".

أرشدوها إلى مكان يُدعى "مرج"، لكنها ضلت الطريق لأربع ساعات قبل أن تصل إلى مركز مساعدات يديره الجيش الإسرائيلي وشركة أمريكية. وجّهوها إلى الشمال، وحذروها من الاتجاه شرقًا أو غربًا. واصلت الطريق حتى وصلت مخيمًا للنازحين قرب خان يونس، وهناك التقت بأربعة شبان تواصلوا مع عائلتها، وجاءوا لاصطحابها.

في قصتها، تظهر عزيزة كرمز للصبر والوفاء، في مواجهة الموت والحصار والانهيار الإنساني. قصتها تسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين، وخاصة النساء، في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي حصد أرواح عشرات الآلاف.

https://www.middleeasteye.net/news/palestinian-buries-husband-alone-after-two-months-trapped-under-israeli-siege