كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن شروطه لإنهاء الحرب في أوكرانيا، والتي تتضمن عدة نقاط رئيسية، أبرزها رفع العقوبات المفروضة على روسيا، إغلاق "الباب المفتوح" الذي يسمح بتوسع حلف شمال الأطلسي، والحصول على تعهد كتابي من قادة الغرب بوقف توسع الناتو شرقاً.
هذه الشروط جاءت في سياق استعداد روسيا لتقديم مسودة "مذكرة تفاهم" للسلام إلى أوكرانيا في جولة مفاوضات جديدة مقررة في إسطنبول.
بوتين أكد أيضاً على ضرورة توقيت محدد لوقف إطلاق النار، مع ضمانات مكتوبة لضمان تنفيذ الاتفاق.
توقيت تقديم شروط السلام
أعلنت روسيا عن إعداد مسودة مذكرة سلام تتضمن شروطها لإنهاء الحرب، مع استعداد لتقديمها إلى أوكرانيا خلال جولة المفاوضات القادمة في إسطنبول.
وأوضح بوتين أن هذه المذكرة ستحدد معالم اتفاق السلام بما في ذلك توقيت وقف إطلاق النار، مؤكداً على أهمية التزام الأطراف المعنية بهذه البنود لضمان استقرار الوضع.
في المقابل، طالبت أوكرانيا بتسلم هذه المذكرة دون تأخير، في محاولة لتسريع عملية التفاوض.
خسائر الحرب في أوكرانيا وروسيا
تسببت الحرب في أوكرانيا بخسائر بشرية ومادية كبيرة في كلا البلدين، حيث تأثرت روسيا بخسائر في الأرواح والمعدات العسكرية نتيجة المواجهات المستمرة، وبلغت خسائر الحرب في أوكرانيا أرقامًا قياسية منذ اندلاعها.
فبحسب تقارير صادرة عن وزارة الدفاع البريطانية ومراكز أبحاث مستقلة، قُتل ما يزيد عن 315 ألف جندي روسي و185 ألف جندي أوكراني منذ فبراير 2022 وحتى مايو 2025، بالإضافة إلى دمار واسع في البنية التحتية الأوكرانية، خاصة في المناطق الشرقية والجنوبية التي شهدت أعنف المعارك.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الحرب تسببت في مقتل أكثر من 58 ألف مدني ونزوح أكثر من 12 مليون شخص داخل وخارج أوكرانيا.
اقتصاديًا، تكبدت روسيا خسائر تُقدّر بـ 950 مليار دولار، بسبب كلفة الحرب المباشرة والعقوبات، بينما تضرر الاقتصاد الأوكراني بأكثر من 600 مليار دولار نتيجة تدمير البنية التحتية وهروب الاستثمارات.
العقوبات الغربية المفروضة على روسيا
فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وعدة دول غربية أخرى أكثر من 17حزمة من العقوبات على روسيا منذ بدء الحرب.
وتشمل هذه العقوبات تجميد أصول المصرف المركزي الروسي، وحظر تصدير التكنولوجيا المتقدمة، وتقييد التعاملات المالية مع المؤسسات الروسية الكبرى، فضلًا عن حظر واردات النفط والفحم، وتجميد أصول بنوك وشركات روسية كبرى، حظر استيراد النفط والغاز الروسي من بعض الدول، وقيوداً على السفر والتعاملات المالية مع مسؤولين روس.
بلغت خسائر روسيا من العقوبات نحو 300 مليار دولار من احتياطاتها المجمدة في الخارج، كما تراجعت قيمة الروبل بنسبة 42% منذ فبراير 2022، ورغم هذه القيود، نجحت موسكو جزئيًا في إعادة توجيه تجارتها نحو الصين والهند، مما خفف نسبيًا من وطأة العقوبات على المدى القصير.
هذه العقوبات تهدف إلى الضغط على موسكو لوقف العمليات العسكرية، لكنها أيضاً أثرت على الاقتصاد العالمي وأسواق الطاقة، فرفع هذه العقوبات هو أحد الشروط التي وضعها بوتين لإنهاء الحرب.
ترحيب مشروط ورفض غربي
أعرب الرئيس الأمريكي السابق عن انزعاجه من فشل بوتين وزيلينسكي في التوصل إلى اتفاق سلام، مشيراً إلى أن الحلول تتطلب تنازلات متبادلة.
رحّبت بعض الدول بتصريحات بوتين باعتبارها "خطوة أولى" نحو إنهاء النزاع؛ فقد أبدت الصين "اهتمامًا إيجابيًا بالمبادرة"، بحسب ما نقلته وكالة "شينخوا"، بينما دعت تركيا إلى "مفاوضات مباشرة بين موسكو وكييف على أساس المقترحات الجديدة".
لكن الغرب كان أقل حماسًا، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إن "الولايات المتحدة تدعم حلًا دبلوماسيًا، لكن ليس على حساب سيادة أوكرانيا"، كما دعا إلى إعادة فتح نقاط العبور الإنسانية في سوريا، وهو موقف يعكس التوترات الأوسع في العلاقات الدولية التي تؤثر على ملف أوكرانيا أيضاً
بينما وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، مطالب بوتين بأنها "غير واقعية وتشكل استسلامًا ضمنيًا من أوكرانيا".
من جانب آخر، في روسيا، أكد مسؤولون مطلعون أن شروط بوتين تهدف إلى ضمان أمن روسيا واستقرار المنطقة، مع التشديد على ضرورة التزام الغرب بالتعهدات المكتوبة بوقف توسع الناتو.
توقعات مستقبلية لمسار الحرب والسلام
مع إعلان روسيا عن شروطها ومذكرة السلام، تتجه الأنظار إلى جولة المفاوضات القادمة في إسطنبول التي قد تشكل نقطة تحول في مسار الحرب، فنجاح هذه المفاوضات يعتمد على قبول أوكرانيا والشركاء الغربيين بالشروط الروسية، خصوصاً فيما يتعلق بالعقوبات وتوسيع الناتو.
في حال تم التوصل إلى اتفاق، فمن المتوقع أن يبدأ وقف إطلاق النار تدريجياً مع مراقبة دولية، أما في حال استمرار الخلافات، فقد تستمر الحرب بوتيرة متفاوتة مع تداعيات إنسانية واقتصادية خطيرة.