نشر مركز (حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية) والذي يرأسه د. طارق الزمر القيادي بحزب البناء والتنمية المصري ورقة استشرافية بعنوان: "مصر في عين العاصفة.. الدور الإقليمي في مواجهة التحولات الجذرية في المشرق والجنوب والغرب" خلص فيها 5 ملامح رئيسية اعتبرها توصيات استراتيجية وهي:

 1. إعادة تعريف مفهوم الأمن القومي المصري: ليشمل المصالح الشعبية لا بقاء النظام فقط، ويتسع للأبعاد الاقتصادية والمائية والسياسية لا الأمنية فقط.

 2. فك الارتباط مع المحور الإماراتي–الإسرائيلي: وبدء صياغة تحالفات جديدة تستند إلى مصالح الأمة لا مشروعات الهيمنة.

 3. استثمار لحظة التغيير في سوريا ولبنان وغزة: لتشكيل محور مقاوم جديد يُعيد لمصر موقعها القيادي ضمن مشروع تحرر عربي.

 4. استعادة دور مصر في السودان وليبيا: عبر دعم الاستقرار العادل لا الرهانات الفاشلة، وبناء شراكات مع القوى الوطنية الحقيقية.

 5. إعادة تفعيل الملف المائي بآليات أكثر قوة وندية: دوليًا وإفريقيًا، وبما يعيد الاعتبار لحق مصر التاريخي في مياه النيل.

 

بين العاصفة والتراجع

وقالت الورقة إن مصر تواجه اليوم واحدة من أعقد اللحظات في تاريخها الإقليمي الحديث. فما بين عدوان مفتوح على غزة، وسقوط نظام الأسد في سوريا، وانهيارات أمنية متلاحقة في ليبيا والسودان، وتوغل إسرائيلي في الجنوب اللبناني، واستكمال ملء سد النهضة بلا اتفاق، تبدو مصر وكأنها في عين العاصفة دون أن تكون فاعلًا حقيقيًا في إدارتها."

وأكدت الورقة "تراجَع الحضور المصري من مركز صنع القرار في الإقليم إلى موقع المُراقب المرتبك أو المتواطئ".

وخلصت إلى نتيجة مفادها أن "تآكل دور مصر كقوة إقليمية مستقلة، وانزياحها إلى موقع التابع لمحور إقليمي ضيق المصالح.".

 

تساؤلات وإجابات

وطرحت الورقة أسئلة استراتيجية خطيرة: منها؛ هل فقدت مصر دورها؟  وهل بقي لها موقع في خرائط القوة؟ وما السبيل لاستعادة التأثير دون الارتهان أو الانكفاء؟..

واستعرضت في ضوء الأسئلة؛ المشهد الإقليمي الجديد: خريطة التحولات الكبرى حيث غزة: عدوان مستمر ومأزق الوسيط المصري ورأي أن فيه "فشلت القاهرة في وقف العدوان الإسرائيلي رغم موقعها كوسيط تاريخي. بل تحوّلت إلى طرف في الحصار، وأداة ضغط على المقاومة، مما شوّه صورتها ودورها وقلّص صدقيتها الشعبية".

وفي الملف السوري بعد ""سقوط نظام الأسد وتبدل خريطة التحالفات" اعتبرت أن "سقوط الأسد لحظة مفصلية قلبت موازين التحالفات. بينما اكتفت مصر بموقف رمادي يخضع للمزاج الإماراتي، وفشلت في أن تكون جزءًا من ترتيبات ما بعد السقوط أو من هندسة البديل.".
 

وفي المشهد اللبناني، وبعد "انهيار حزب الله وتقدم إسرائيلي جنوبًا" قالت إن "الفراغ في الجنوب اللبناني شكّل فرصة جديدة لإسرائيل، بينما بقي الدور المصري هامشيًا، مكتفيًا بالمتابعة دون أي تدخل سياسي أو دبلوماسي مؤثر".

وعن ليبيا وتطوراتها "الفوضى واستبعاد مصر" أوضحت الورقة أنه "رغم القرب الجغرافي، تم استبعاد القاهرة من ترتيبات ما بعد الحرب، لحساب تركيا وإيطاليا وروسيا، نتيجة دعمها لطرف واحد بعقلية أمنية لا سياسية، وفشلها في طرح رؤية وطنية جامعة.".

وإلى السودان حيث "الحرب على حدود مصر وخسارة النفوذ" اختصرت الورقة وأوضحت أن ".. الأزمة السودانية تحوّلت إلى تهديد مباشر للأمن المصري، لكن القاهرة تعاملت معها بعقلية “التوازن السلبي”، فتراجعت أمام أدوار إماراتية وإثيوبية، وخسرت عمقًا استراتيجيًا هامًا".

وعن سد النهضة "إثيوبيا: اكتمال ملء السد وتجميد الملف" قالت إن "إثيوبيا استكملت الملء الرابع لسد النهضة، وسط صمت مصري تام، وتحول الملف إلى عبء داخلي مغلق، بلا مبادرة سياسية أو ضغط دولي فاعل.".

 

خسائر في الملفات جميعها

وضمن تحليل الورقة لموقع مصر وخساراتها أعادت جدولة ذلك في كل مكان على حدة:

 • في غزة، كانت مصر أداة ضبط لا دعم، ما جعلها تُحسب على معسكر الضغط لا الوساطة.

 • في سوريا ولبنان، غابت عن صياغة البدائل، ودفعت ثمنًا من شرعيتها المعنوية في الوعي العربي.

 • في ليبيا والسودان، تراجعت من شريك إلى متفرج، أمام تمدد أطراف إقليمية أخرى.

 • في سد النهضة، لم تنجح القاهرة في تحويل القضية إلى ورقة ضغط دولية، بل استسلمت للتجميد وتجاهل المجتمع الدولي.

 

تآكل الدور المصري

واستعرضت الورقة 4 أسباب ل"تآكل الدور المصري":

أ. تراجع الأداء السياسي والدبلوماسي، حيث أفرغت السياسة الخارجية من محتواها، وتحولت إلى مجرد امتداد للأجهزة الأمنية، بلا رؤية ولا أدوات ولا استقلال قرار.

ب. الارتهان للمحور الإماراتي – الإسرائيلي، فقد أصبح القرار المصري الإقليمي مرتهنًا لمحور لا يراعي المصالح التاريخية للقاهرة، بل يستخدمها لتأمين مصالحه في التطبيع والتحكم بالمنطقة.

ج. فقدان المبادرة في ملفات الجوار، فبدلا من أن تبادر، أصبحت مصر تردّ على الأحداث، وتنتظر مخرجات صراعات لا تُشارك في تشكيلها.

د. العجز الاقتصادي وتآكل الشرعية، حيث ان الانهيار الداخلي على المستوى الاقتصادي والحقوقي أفقد الدولة هامش المناورة، وقلّل من قدرتها على التأثير الخارجي.

 

3 سيناريوهات متوقعة

وطرحت الورقة 3 سيناريوهات مستقبلية:

الأول: استمرار الانكفاء والارتهان، حيث تبقى مصر رهينة التحالف الحالي، تابعة في ملفات كبرى، وتواصل التراجع إلى أن تفقد ما تبقى من دورها التاريخي.

الثاني: محاولات استعادة الدور عبر البوابة الأمنية فقط، حيث تسعى القاهرة لإعادة تموضعها عبر أدوات أمنية (الوساطة، التهديد، التنسيق الاستخباراتي)، لكن ذلك يظل محدود الأثر دون رؤية استراتيجية شاملة.

الثالث: تغيير استراتيجي بفعل تحوّل داخلي، إما بفعل ضغوط شعبية، أو انفجار سياسي داخلي، أو متغير خارجي كبير (سقوط النظام، ثورة اجتماعية، تدخل دولي)، فتُفتح الفرصة لإعادة رسم الدور المصري وفق رؤية وطنية مستقلة.

 

تحذير أخير

وقالت الورقة غن مصر أمام مفترق حاسم فإما "أن تستمر في فقدان دورها وانكماشها خلف أنظمة متهالكة ومحاور مشبوهة، أو أن تعيد اكتشاف ذاتها كقوة مركزية، تقود مشروعًا تحرريًا في مواجهة الانهيار".

وشددت على أن "التغيرات الجذرية التي يشهدها الإقليم اليوم لا تترك مجالًا للحياد أو التردد، فإما أن تعود القاهرة لتكون “قلب الأمة” كما كانت، وإما أن تبقى عاصمةً صامتة في وجه العواصف".

https://www.facebook.com/photo?fbid=1161950255976303&set=a.255224829982188