تشهد السوق المصرية في الآونة الأخيرة ظاهرة متصاعدة لهروب عدد من كبرى الشركات المصرية إلى الأسواق الخارجية، خاصة في دول الخليج، حيث تستحوذ على صفقات بمليارات الدولارات، من أبرز هذه الشركات مجموعة طلعت مصطفى التي توسعت بقوة في السعودية ودول الخليج، محققة مبيعات تجاوزت 504 مليارات جنيه خلال عام 2024، مع مبيعات في مشروع "ساوث ميد" وحده بلغت نحو 281 مليار جنيه (حوالي 5.6 مليار دولار)، هذا التوسع يترافق مع تراجع نشاط بعض الشركات في السوق المحلية، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذا التوجه وتأثيره على الاقتصاد المصري.

 

طلعت مصطفى وصفقات الخليج

في نوفمبر 2023، أعلنت مجموعة طلعت مصطفى القابضة عن توقيع اتفاقية تطوير عقاري مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي بقيمة 1.3 مليار دولار لإنشاء مشروع سكني فاخر في الرياض، وسبق هذه الصفقة دخول المجموعة في مشروع آخر بمدينة "نيوم"، بقيمة استثمارية تجاوزت 900 مليون دولار، وتشير هذه التحركات إلى توجه واضح نحو تحويل بوصلة الاستثمار من السوق المحلية إلى الأسواق الخليجية، التي تقدم تسهيلات ضريبية وبيئة تشريعية مستقرة وفرص نمو أكبر.

 

الأسباب الاقتصادية وراء هروب الشركات

يُرجع الخبراء هذه الموجة إلى عدة أسباب متشابكة، يقول الدكتور فخري الفقي، الخبير الاقتصادي ورئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب سابقًا، إن تآكل قيمة الجنيه وغياب الاستقرار النقدي من العوامل الرئيسية التي تدفع المستثمرين الكبار إلى البحث عن ملاذات أكثر أمانًا.

ويضيف أن "القيود على تحويل الأرباح بالعملة الصعبة وضعف الطلب المحلي يدفعان الشركات الكبرى إلى تقليل استثماراتها داخل مصر والتركيز على الأسواق الخارجية".

وتشير بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري إلى أن معدل التضخم السنوي بلغ 35.7% في مارس 2024، وهو من أعلى المعدلات في تاريخ البلاد، في حين تراجع صافي الاحتياطي النقدي الأجنبي ليصل إلى 33.4 مليار دولار فقط، بعد أن كان يناهز 45 مليار دولار في بداية 2022.

 

أسباب هروب الشركات

التحديات المحلية والتسهيلات الخليجية

يرى خبراء اقتصاديون أن أسباب هروب الشركات المصرية الكبرى إلى الخارج متعددة، وأبرزها الصعوبات التي تواجهها هذه الشركات في السوق المحلية، مثل التعقيدات الإدارية والبيروقراطية، وارتفاع الأعباء الضريبية، وعدم ملائمة بيئة الاستثمار، بالإضافة إلى ضغوط التمويل وارتفاع تكلفة الاقتراض، كما أن ضعف الجنيه المصري مقابل الدولار وزيادة الضغوط التضخمية تزيد من تحديات التشغيل في القطاع الخاص.

في المقابل، تقدم دول الخليج تسهيلات استثمارية جذابة تشمل الإعفاءات الضريبية، تبسيط الإجراءات، وبنية تحتية متطورة، مما يجعلها وجهة مفضلة للشركات المصرية الباحثة عن فرص نمو واستقرار مالي.

أشار محمد رزق، رجل الأعمال المصري الأمريكي، إلى أن التوسع في الخارج هو امتداد طبيعي لعمل الشركات الكبرى في الشرق الأوسط، لكنه أكد أن تخارج بعض الشركات من السوق المصرية يعود إلى الصعوبات المحلية وغياب رؤية شاملة لمعالجة الفجوة الدولارية وارتفاع فائدة الاقتراض.

اعتبر محمد رمضان، الباحث في الشؤون الاقتصادية، أن التوسع الخارجي لا يعني بالضرورة انسحابًا من السوق المحلية، بل هو جزء من استراتيجيات نمو وتوازن الأسواق.

 

حجم الهجرة الاستثمارية وأبرز الشركات

تشير البيانات إلى أن عدد الشركات المصرية التي توسعت أو انتقلت إلى دول الخليج قد شهد زيادة كبيرة؛ فعدد الشركات المصرية التي استثمرت في دول الخليج، وخاصة في السعودية، تجاوز 5700 شركة، مع تضاعف رأس مالها من 5 مليارات ريال إلى 50 مليار ريال خلال فترة قصيرة، وفقًا لتصريحات رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في سبتمبر 2024، مما يعكس توسعًا كبيرًا في نشاط الشركات المصرية خارج السوق المحلية.

كما احتلت الشركات المصرية المرتبة الثالثة بين الجنسيات الأكثر تأسيسًا للشركات في دبي خلال النصف الأول من عام 2024، مع تسجيل 2355 شركة جديدة في الإمارات، مما يدل على إقبال واسع من رجال الأعمال المصريين على الاستثمار في الخليج.

مجموعة طلعت مصطفى وحدها حققت مبيعات ضخمة في مشاريعها الخليجية، مثل مشروع "بنان" في السعودية الذي تجاوزت مبيعاته 68 مليار جنيه بالريال السعودي، مما يعزز إيراداتها بالعملة الصعبة.

يُعد هروب الشركات الكبرى من السوق المحلية تحديًا كبيرًا للاقتصاد المصري، حيث يؤدي إلى نزيف استثماري يضعف قدرة الاقتصاد على النمو ويقلل من فرص العمل المحلية.

حذر محمد الإتربي، رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري، من أن هذا النزوح يشكل تهديدًا خطيرًا على الاقتصاد المصري، خاصة أن مصر تمتلك إمكانيات كبيرة للتطور.

كما وصف جمال بيومي، الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، هذا التوجه بأنه "نزيف للاقتصاد المصري" يتطلب تدخلًا عاجلًا لتحسين بيئة الاستثمار المحلية ومواجهة التعقيدات الإدارية والمالية التي تعيق المستثمرين.

 

تأثير هروب الشركات على الاقتصاد المصري

  • فقدان فرص استثمارية مهمة كانت تساهم في النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل داخل مصر.
  • تراجع الإيرادات الضريبية للدولة نتيجة خروج الشركات الكبرى ورجال الأعمال، ما يزيد من الضغوط المالية على الحكومة.
  • زيادة ضعف بيئة الأعمال المحلية بسبب استمرار التعقيدات البيروقراطية والمالية التي تدفع المزيد من المستثمرين إلى التوجه للخارج.