نشر موقع ذا إنترسبت تقريراً أعده الصحفي جونا فالدز، كشف فيه عن المأساة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، حيث يواجه الفلسطينيون خياراً قاتلاً: إما الموت جوعاً بسبب الحصار الإسرائيلي، أو القتل تحت القصف أثناء محاولتهم الحصول على الطعام.

بدأ التقرير بتوثيق مجزرة وقعت قرب مدرسة تابعة للأمم المتحدة في مشروع بيت لاهيا، حيث قصف الجيش الإسرائيلي منطقة قريبة من مطبخ غزة الخيري أثناء إعداد وجبات للنازحين، ما أسفر عن مقتل المتطوع سامح إبراهيم المدهون (16 عاماً) وامرأتين كانتا تختبئان بالقرب، كما فقد أحد أقاربه ذراعه في الهجوم. هذا المطبخ، الذي وفّر الطعام لمئات العائلات، نقل مراراً موقعه هرباً من التقدم العسكري الإسرائيلي نحو الجنوب. قُتل أحد مؤسسيه، محمود المدهون، في نوفمبر أثناء توصيل الطعام إلى مستشفى محاصر، وقالت أسرته إن الجيش استهدفه عمداً. وعلق مدير المطبخ هاني المدهون قائلاً: "أردنا أن نكون آخر من يصمد، ثم أدركنا أن العالم لا يكترث".

واستعرض التقرير تفاصيل حملة إسرائيلية عنيفة تُعرف باسم "عملية مركبات جدعون"، تهدف إلى حصر سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون في منطقة جنوبية مغلقة تُوصف بـ"المنطقة المعقمة" — وهو مصطلح يُستخدم أيضاً في الضفة الغربية لعزل الفلسطينيين.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يبرر الخطة بأنها تهدف إلى تفكيك حماس، لكن وزراء من اليمين المتطرف، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أقروا بهدفها الحقيقي: التهجير الجماعي. وخلال مؤتمر للمستوطنين، توقع سموتريتش أن يدفع الحصار السكان إلى الهروب، واصفاً ذلك بأنه خطوة نحو "الترحيل إلى دول ثالثة".

وأشار التقرير إلى أن خطة المساعدات الأمريكية لهذه المنطقة تتضمن إشراف مؤسسة سويسرية تُدعى مؤسسة غزة للمساعدات الإنسانية (GHF)، بمشاركة شركتين أمنيتين أمريكيتين تُديران طواقم من موظفين سابقين في المخابرات والجيش الأمريكي وشركة بلاك ووتر. تنوي هذه المنظومة توزيع المساعدات عبر أربعة مواقع فقط، مقارنةً بـ400 نقطة توزيع استخدمتها الأمم المتحدة سابقاً. وانتقد مراقبون هذه الخطة واعتبروها بمثابة "معسكر اعتقال"، خاصة مع وجود تقارير عن استخدام تقنيات التعرف على الوجه عند نقاط التفتيش، وهي تقارير نفتها المؤسسة السويسرية.

وأضاف التقرير أن إسرائيل استخدمت المساعدات كسلاح منذ فرض الحصار عام 2007، وشدّدت القيود خلال الحرب الحالية. في مارس، فرض الجيش حصاراً استمر 80 يوماً، وهو الأطول منذ بداية الحرب، ثم سمح بدخول شاحنات محدودة نتيجة ضغط دولي. يدخل حالياً نحو 100 شاحنة يومياً، بينما كان المعدل 600 خلال فترات وقف إطلاق النار، وهو رقم كان أصلاً غير كافٍ.

وكشف التقرير أن نتنياهو أقر في أحاديث خاصة بأن السماح بدخول مساعدات "محدودة" هدفه تجنب صور المجاعة الجماعية، وليس الاستجابة لحاجة إنسانية. في الوقت نفسه، يعاني واحد من كل خمسة أشخاص في غزة من المجاعة، وسُجلت 29 وفاة مرتبطة بالجوع خلال أسبوع، بينهم أطفال ونساء مسنات. وسُجّل ارتفاع حاد في معدلات سوء التغذية بين الحوامل والرضع.

وبررت إسرائيل والولايات المتحدة الحصار بزعم أن حماس تستولي على المساعدات وتبيعها في السوق السوداء، لكن حماس والمنظمات الإنسانية نفت ذلك. ورغم تسرب كميات صغيرة، قال خبراء إن "حرمان شعب بأكمله من الطعام بسبب قلة ضئيلة أمر غير مقبول". ورفضت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية خطة المساعدات الإسرائيلية، ووصفتها بأنها "أجندة سياسية" تتخلى عن الفئات الأكثر ضعفاً.

ولفت التقرير إلى توافق خطاب نتنياهو مع رؤية دونالد ترامب التي تدعو لتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" عبر تهجير سكانها، وهي خطة وصفها نتنياهو بـ"الثورية". وكشفت وثائق مسربة أن فريق ترامب ناقش ترحيل سكان غزة قسراً إلى ليبيا، وهي دولة تعاني من فوضى أمنية ومعاملة قاسية للمهاجرين.

وأكد هاني المدهون، الذي فقد عدة أفراد من عائلته في الغارات، أن ما يجري هو "المرحلة الأخيرة من التطهير العرقي". وقال إن عائلته تصر على البقاء، لكنها تخشى أن تُجبر على الانتقال إلى "المنطقة الإنسانية"، التي وصفها بـ"المنفى القاتل".

وسلط التقرير الضوء على التواطؤ الدولي، حيث ضاعفت الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية لإسرائيل في عهد ترامب، ودافع مسؤولون أمريكيون مثل السفير مايك هاكابي عن دعوات إسرائيلية لتدمير "ثقافة غزة". كما أعرب وزير الخارجية ماركو روبيو عن رضاه على "الخطوات الرمزية" الإسرائيلية في تقديم المساعدات.

في الوقت نفسه، تعثرت مفاوضات وقف إطلاق النار في الدوحة، فيما كثفت إسرائيل ضرباتها مستهدفة 800 موقع خلال أسبوع واحد، بينها منازل وخيام. وسجلت الأمم المتحدة مقتل 629 فلسطينياً خلال هذا الأسبوع، بينهم 148 من النساء والأطفال، بالإضافة إلى تسعة صحفيين، ما جعله أحد أكثر الأسابيع دموية للعاملين في الإعلام منذ 7 أكتوبر.

واختُتم التقرير بمشهد من مطبخ غزة الخيري، حيث ازدادت طوابير المحتاجين للطعام، وبعضهم طلب وجبات غير مكتملة للهروب قبل القصف. وقال المدهون: "لا معنى لإطعام الناس إذا كانوا سيموتون في اليوم التالي بقنبلة إسرائيلية". وأكد أن ما يحدث في غزة كارثة مصنوعة بيد الإنسان، تُنفذ ببطء أمام أعين العالم. ويبقى السؤال الأخلاقي معلقاً: هل سيتذكر التاريخ هذا كإبادة جماعية حصلت بدعم أو بصمت عالمي؟
 

https://theintercept.com/2025/05/26/gaza-famine-aid-israel-palestine-ghf/