روى موقع الجارديان مأساة سكان غزة الذين يواجهون أوضاعًا إنسانية قاسية بعد انطلاق الهجوم الإسرائيلي الجديد على شمال القطاع، في إطار ما يُعرف بعملية "مركبات جدعون". في بيت لاهيا، دوّى انفجار ضخم عند الثانية فجرًا، فخرج باسل البرعاوي من منزله ليجد بيت ابن عمه وقد دمّر وفيه عشرة أشخاص. قال: "استشهدوا جميعًا. وحدها طفلة في السادسة نجت، وهي الآن في المستشفى. انتشلنا الجثث من تحت الأنقاض بملامح مشوهة وجلد رمادي من الرماد. شعرت بقلبي ينكسر."

نقل البرعاوي أسرته بسيارة مستأجرة جنوبًا نحو غزة، بحثًا عن مكان أكثر أمانًا، رغم أنه لا يعرف أحدًا هناك. عبّر قائلاً: "لم نعد نعرف وجوهنا، فكيف سيعرفنا الآخرون؟"

عبد الخالق العطار، وهو شاب في الثالثة والعشرين، انتقل كذلك إلى غزة بعدما شهد مجزرة بيت لاهيا. تنقل ثماني مرات خلال الحرب التي امتدت 19 شهرًا، ويعيش الآن في خيمة على الرصيف. وصف ما جرى بقوله: "كانت واحدة من أصعب ليالي بيت لاهيا. خرجنا ببعض الأغراض وبطانيّتين فقط. الطريق كان مرهقًا ومليئًا بأناس يجرون أمتعتهم أو منهكين على جوانب الطرقات."

قتل مئات الفلسطينيين، معظمهم مدنيون، في الموجة الأخيرة من الغارات، رغم إعلان إسرائيل استهدافها قادة من حماس، بينهم زعيم الحركة في غزة. لكن الوضع الإنساني تفاقم بعد أن فرضت إسرائيل حصارًا خانقًا منذ 11 أسبوعًا، أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء والوقود. أكدت إسرائيل أن الحصار ضروري لمنع حماس من استخدام المساعدات، إلا أن آثار الحصار على السكان كانت مدمرة.

يحذر خبراء الأمن الغذائي من خطر مجاعة وشيكة في ظل تصاعد معدلات سوء التغذية الحاد. رغم إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن السماح بدخول "مساعدات أساسية"، لم يُبدِ سكان غزة ثقة كبيرة. قال العطار: "نواجه مجاعة حقيقية. لدي ثلاثة أطفال ولا أجد طعامًا لهم."

بدأت الحرب في أكتوبر 2023 عندما شنت حماس هجومًا مفاجئًا أسفر عن مقتل 1200 شخص في إسرائيل، معظمهم مدنيون، وأسر 251 آخرين، لا يزال 57 منهم في غزة. ردت إسرائيل بسلسلة من الهجمات أودت بحياة أكثر من 53 ألف فلسطيني.

لم تصدر إسرائيل تعليقًا مباشرًا على ضربات بيت لاهيا الأخيرة، لكنها كررت مزاعمها باتباع القانون الدولي وتحذير المدنيين. غير أن هذه التحذيرات لم تشمل المنطقة المستهدفة. تتهم إسرائيل حماس باستخدام المدنيين كدروع بشرية، وهي تهمة تنفيها الحركة.

نسمة سالم، طالبة عشرينية، فقدت شقيقها رجب خلال محاولتهم الفرار صباح الجمعة. قصفت المنطقة بقذائف مدفعية أثناء تحميلهم السيارة. قالت: "انفجرت ثلاث قذائف. رأيت الجثث متناثرة، بينهم أطفال ونساء. وجدت أخي ملقى على الأرض، قال إنه بخير لكنه فقد الوعي. حاولت إنقاذه، لكن الطبيب أعلن وفاته."

دفنت الأسرة رجب على عجل في بيت لاهيا، ثم واصلت الفرار نحو غزة، محمّلة ببقايا متاعهم. وجدت العائلة مأوى في بيت قريب مكتظ بالنازحين. قالت نسمة: "فقدنا كل شيء تقريبًا. لم يبق لدينا طحين. كنا نطحن المعكرونة لنخبزها بدل الخبز، أما الآن فطحنا العدس لنصنع منه عجينًا."

ختمت نسمة كلامها قائلة: "لا أهتم بأي وقف لإطلاق النار. هل سيُعيد إليّ أخي؟ لن أعود إلى بيت لاهيا أبدًا. لا أستطيع تخيّل البيت من دونه... قلوبنا تتألم."

هكذا اختتم الجارديان تقريره، موضحًا كيف يتحوّل الصراع في غزة من مأساة سياسية إلى كارثة إنسانية تدفع المدنيين إلى شفا المجاعة والدمار النفسي، وسط وعود جوفاء بوقف إطلاق نار لا يحمل لهم أي معنى.

https://www.theguardian.com/world/2025/may/19/fight-for-survival-gaza-amid-israels-new-offensive-no-aid