بقلم: مصطفى عبد السلام
تلقت صناعة الطاقة الإسرائيلية ضربة قوية وموجعة باستهداف مصفاة حيفا، فقد أنهى صاروخ فرط صوتي إيراني أسطورة أكبر مصفاة نفط داخل دولة الاحتلال، وهي مصفاة حيفا التي “أصبحت أَثَراً بعد عين”، بعد أن كانت حتى أمس واحدة من أكبر المصافي في شرق البحر المتوسط، وتتمتع بموقع استراتيجي بارز، بسبب قربها من مواقع إنتاج النفط الخام في روسيا وبحر قزوين.
وتعد كذلك من أقدم وأهم المنشآت الحيوية في قطاع الطاقة الإسرائيلي، وتصنف على أنها واحدة من أبرز المواقع الاستراتيجية داخل إسرائيل. وتقع المصفاة في المنطقة الصناعية الشرقية للمدينة، وهي جزء من مجمع صناعي ضخم يضم أكبر منشأة متكاملة لتكرير النفط والبتروكيماويات، وتلعب دوراً محورياً في تكرير النفط الخام، وتحويله إلى منتجات بترولية متقدمة ومشتقات وقود.
لا تتوقف الأهمية الاقتصادية لمصفاة حيفا التي استهدفها الصاروخ الإيراني عند هذا الحد، بل تتعداه إلى ما هو أهم، فهي تعد أحد أهم مصادر دخل صناعة الطاقة الإسرائيلية، وواحدة من مصادر النقد الأجنبي، إذ تصدر جزءاً كبيراً من منتجاتها للأسواق العالمية، وفي المقدمة السوق الأوروبية، ما يجعل استهدافها من قبل إيران هدفاً استراتيجياً وحيوياً.
وبعيداً عن البعد المحلي، فإن مصفاة حيفا تزوّد دول العالم بمنتجات الطاقة، حيث تنتج مجموعة واسعة من المشتقات النفطية مثل البنزين، والسولار، والمازوت، ووقود الطائرات، وزيوت التشحيم، والبتروكيماويات، كما تحوي وحدات للتكسير الهيدروجيني والمعالجة الكيميائية، وخطوط أنابيب واسعة تربطها بالموانئ ومصانع التوزيع.
توقيت ضربة مصفاة حيفا حرج وبالغ الحساسية لدولة الاحتلال واقتصادها وأسواقها وصادراتها النفطية، فالضربة أولاً تأتي في وقت قررت فيه إسرائيل، يوم الجمعة، غلق اثنين من أكبر حقول الغاز الطبيعي البحرية التابعة لها والواقعين شرق البحر المتوسط، خشية استهدافهما من قبل الصواريخ الإيرانية، وهما حقلا “لفياثيان” و”كاريش”، كما يأتي استهداف مصفاة حيفا في وقت أوقفت فيه إسرائيل تصدير الغاز الطبيعي للخارج، خاصة لأبرز دولتين مستهلكتين لهذا الغاز، وهما مصر والأردن.
وبالطبع فإن توسيع دائرة الضربات الإيرانية ضد منشآت الطاقة في إسرائيل قد يؤثر سلباً في تدفق الطاقة إلى أوروبا التي تعاني أصلاً من أزمة طاقة، خاصة في ظل الأهمية الاستراتيجية لمصفاة حيفا التي تُعد مركزاً رئيسياً لتصدير الوقود ومشتقاته، كما يشعل أزمة طاقة وانقطاع في الكهرباء في دول شرق البحر المتوسط.
كما أن استهداف مصفاة النفط الأكبر في إسرائيل يسبب حرجاً داخلياً لحكومة الاحتلال، في ظل أزمة طاقة تمر بها الأسواق الإسرائيلية، بسبب الفوضى الأمنية، واستهداف إيران البنية التحتية ومحطات الوقود، وغلق مصفاة حيفا يفاقم من تلك الأزمة في ظل ضخامة إنتاجها، فالمصفاة تنتج 200 ألف برميل يومياً من النفط الخام، وتعالج 10 ملايين طن نفط يومياً. كما أن المجمّع الصناعي والنفطي الذي تعرّض للاستهداف الإيراني يوزّع نحو 70% من منتجاته داخل السوق الإسرائيلية، والباقي يصدره لأسواق العالم، مع التركيز على دول شرق البحر الأبيض المتوسط.
لم تقتصر هجمات إيران على مصفاة حيفا، بل امتدت لمواقع اقتصادية مهمة أخرى، منها استهداف وتدمير منشآت تكرير النفط، ومواقع إنتاج وقود المقاتلات، ومراكز تزويد الطاقة الإسرائيلية، ومصنع الأمونيا في ميناء حيفا، ومحطة توليد الكهرباء، والبنية التحتية التي تضررت بشدة، بسبب القصف الصاروخي، الذي استهدف أيضاً مطار بن جوريون، والمناطق المحيطة به.
والأخطر أن مدينة حيفا الاقتصادية باتت في مرمى الصواريخ الإيرانية بشكل متواصل، وهو ما يؤثر سلباً بجميع الأنشطة الاقتصادية، وفي المقدمة الموانئ الرئيسية، وحركة التجارة الخارجية من صادرات وواردات، والموارد الدولارية في ظل تراجع متوقع في صادرات الطاقة سواء كانت غاز أو نفط أو مشتقات وقود.