على أطراف طريق "القاهرة - أسيوط" الصحراوي الغربي، تقع مئات الأفدنة المستصلحة التي أحيتها سواعد مزارعين مصريين منذ عقود، وحوّلوها إلى مزارع منتجة للحاصلات الزراعية والثروة الحيوانية.
لكن هذه الأرض، التي صارت مصدر رزق لنحو 1600 شخص في قرية منشأة الجمال بمحافظة الفيوم، أصبحت اليوم في مرمى الإخلاء القسري على يد جهاز "مستقبل مصر للتنمية المستدامة" التابع للقوات الجوية.
 

توسع تنموي أم نزاع على الأرض؟
   بدأت الأزمة في عام 2023، حين بدأ الجهاز، الذي أنشئ بقرار رئاسي في 2022 لتنفيذ مشروعات زراعية ضمن خطة الدولة للأمن الغذائي، في فرض سيطرته على أراضٍ يقول المستصلحون إنهم يمتلكونها بموجب تخصيص رسمي.
بعض هؤلاء أكد أن الجهاز أنشأ ساترًا ترابيًا يغلق الطريق المؤدي إلى أراضيهم، ويمنعهم من الوصول إلى مزارعهم، تاركًا المواشي بلا طعام أو ماء.

"نملك أوراقًا قانونية، وحصلنا على تخصيص رسمي من جمعية الفيوم الجديدة، ومع ذلك مُنعنا من دخول أراضينا"، تقول عفت عبد الراضي، إحدى المتضررات التي استثمرت مع أسرتها أكثر من 11 مليون جنيه في زراعة الأرض وبناء مساكن ومرافق.
وتضيف: "تحوّلت الأرض المهجورة إلى مزرعة متكاملة، بجهودنا وتمويلنا، دون أي دعم حكومي... لكن اليوم نُعامل كمعتدين!"
 

30 عامًا من الاستصلاح مهددة بالإلغاء
   يروي الدكتور فريد، أحد المنتفعين الأوائل من الجمعية، رحلته مع الأرض منذ أوائل التسعينات: "استصلحتها وشيدت مزرعة للماشية والنعام، وكنت في انتظار التمليك بعد تقديم طلبات تقنين، لكن فجأة طلب منا الجهاز التنازل عن الأرض مقابل تأجيرها منه، ومن رفض يُمنع من دخولها".

يتهم فريد الجهاز بتجاوز صلاحياته: "الأرض التي نملكها لا تقع داخل نطاق مشروع الدلتا الجديدة، كما يدعي الجهاز... ولدينا مستندات تخصيص موثقة من وزارة الزراعة، وموافقات على التقنين من محافظة الفيوم، لكن الجهاز يقول إن الأرض تابعة للجيزة. لا أحد يشرح أو يرد!"
 

الجهاز يطلب التنازل.. والرفض يُقابل بالحصار
   وبحسب روايات متعددة، تلقّى المزارعون عروضًا شفهية من مندوبي جهاز "مستقبل مصر" للتنازل عن الأرض، مقابل السماح لهم باستئجارها من جديد. "ومن يرفض يُقطع عنه الطريق ومياه الري، ويتم حصاره حتى تنهار مشاريعه"، يقول أحد المزارعين، واصفًا ما يحدث بأنه "ابتزاز تحت غطاء تنموي".

وتقول عفت: بينما يُفترض أن يتبع الجهاز استراتيجية زراعية وطنية شاملة، يعتبر المستصلحون أن ما يحدث يمثل تعديًا على حقوقهم. "نحن لا نعارض التنمية، بل نطالب بإنصافنا. نملك الأرض بتخصيص رسمي، واستثمرنا فيها ملايين الجنيهات. كيف يُجردونا منها دون تعويض؟".
 

مستندات قانونية لا تجد من يحميها
   تأسست جمعية الفيوم الجديدة التعاونية لاستصلاح الأراضي في 1985، وحصلت في 1989 على تخصيص من وزارة الزراعة لمساحة 3 آلاف فدان.
وتوزعت هذه الأراضي على مئات المنتفعين الذين بدأوا في الاستصلاح والتعمير، وحصلوا على مستندات قانونية بالتخصيص، وتقدموا لاحقًا بطلبات تقنين وفقًا للقانون 144 لسنة 2017.

"الجمعية أكدت سلامة موقفنا، وهيئة أملاك الدولة قالت إن الأرض قيد الدراسة للتقنين ولا توجد عليها مديونيات"، يوضح محروس، أحد أعضاء الجمعية.
لكنه يشير إلى أن ذلك لم يمنع المعدات التابعة للجهاز من دخول الأرض في أكتوبر 2024، وسط صمت حكومي مطبق.
 

صمت رسمي وقلق شعبي
   رغم توجيه شكاوى رسمية إلى رئاسة الوزراء، وهيئة أملاك الدولة، والأمانة العامة للقوات المسلحة، ومحافظة الفيوم، لم يتلقَّ المستصلحون أي رد. ويقول البعض إنهم يفكرون في تنظيم وقفات احتجاجية سلمية لحماية أراضيهم.

ويتساءل فريد: "نحن لسنا ضد الدولة، بل معها. لكن ما يحدث غير منطقي، كيف نُعامَل كمغتصبين لأراضٍ نملك مستنداتها منذ سنوات؟"، ويضيف: "نطلب فقط الإنصاف، لا نريد حربًا مع أحد، بل نريد حماية مشاريعنا وأرزاقنا".

فيما يقول أحد المتضررين: "لسنا طامعين في أرض الدولة، نحن بُناة لها... عملنا بترخيص رسمي، ونطالب الدولة بحمايتنا لا طردنا".
 

نداء عاجل لرئاسة الجمهورية
   يطالب المستصلحون في منشأة الجمال الجهات المسؤولة، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية ووزارة الزراعة وهيئة التنمية الزراعية، بالتدخل العاجل للتحقيق في قانونية ما يجري، ووقف الإجراءات القسرية التي تهدد بإفشال مشاريعهم.