وجّهت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة صفعة حادة لسلطات عبدالفتاح السيسي، متهمة إياها بتقويض العدالة وشرعنة ممارسات تعذيب ممنهجة من خلال مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الذي أقره مجلس النواب نهاية أبريل الماضي.
التقرير الأممي، الذي تسلّمت الحكومة نسخة منه في 16 مايو الجاري، وصف التعديلات التشريعية الأخيرة بأنها توسّع من صلاحيات النيابة العامة والشرطة، وتقيد حقوق المتهمين والمحامين، وتسمح بإجراء محاكمات عن بعد دون ضمانات كافية، ما يهدد أحد أهم أعمدة دولة القانون: الحق في المحاكمة العادلة.
"عدالة عن بُعد" بلا ضمانات
من أبرز ما أثار قلق اللجنة الأممية اعتماد القانون الجديد نظام "المحاكمات عن بعد" في غياب ضمانات جوهرية للمتهمين، ما يفتح الباب أمام ما وصفته اللجنة بـ"إجراءات استثنائية تُفقد العدالة معناها"، لا سيما في القضايا ذات البعد السياسي أو تلك التي تتعلق بحرية التعبير.
كما انتقد التقرير منح النيابة العامة سلطة شبه مطلقة في حجب ملفات القضايا ومحاضر التحقيقات عن المحامين بدعوى "مصلحة التحقيق"، إلى جانب توسع صلاحياتها في الحبس الاحتياطي، وهو ما وصفته اللجنة بأنه "باب مفتوح للانتهاك دون رقابة قضائية حقيقية".
الطوارئ.. باقية رغم إلغائها
رغم إعلان إنهاء حالة الطوارئ في أكتوبر 2021، أكدت اللجنة استمرار ما سمته "الطوارئ المقنّعة"، مشيرة إلى أن عبدالفتاح السيسي، ما يزال يحتفظ بصلاحيات استثنائية، أبرزها تعيين قضاة محاكم أمن الدولة طوارئ، وإيقاف التحقيقات، والمصادقة أو تعديل أو تعليق الأحكام.
وأبدت اللجنة قلقها من استمرار محاكم الطوارئ في نظر القضايا المُحالة قبل إنهاء الطوارئ، ووصفتها بـ"إجراءات استثنائية تفتقر للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة"، في إشارة ضمنية إلى استمرار محاكمة معارضين سياسيين خارج منظومة القضاء الطبيعي.
قوانين الإرهاب.. أدوات قمع مُمأسسة
وسلّط التقرير الضوء على ما اعتبره "إفراطًا في استخدام القوانين الاستثنائية"، مشيرًا إلى أن قوانين مكافحة الإرهاب والكيانات الإرهابية تمنح الأجهزة الأمنية سلطات غير محدودة في توقيف المشتبه بهم دون إشراف قضائي فعلي، ما يخلق بيئة خصبة للتعذيب والانتهاكات.
سجون جديدة.. وانتهاكات قديمة
ورغم إشادة اللجنة ببعض الخطوات الإيجابية للحكومة – مثل بناء مراكز تأهيل حديثة وتوسيع العفو الرئاسي والإفراج عن المحبوسين في قضايا مالية – فإنها شددت على أن ذلك لم يغيّر من واقع الانتهاكات المستمرة داخل أماكن الاحتجاز.
أشارت اللجنة إلى تقارير موثقة حول استمرار الاكتظاظ، وسوء الأوضاع الصحية، وغياب البدائل القانونية للحبس، والتوسع في الحبس الاحتياطي بشكل منهجي، خاصة في القضايا السياسية. كما نبهت إلى أن قرارات العفو والإفراج غالبًا ما تستثني المعتقلين السياسيين أو سجناء الرأي.
منظومة العدالة في مهب الريح
وأكد محمد لطفي، مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، أن التقرير الأممي يشكل "تذكيرًا للحكومة بأن إعلان إنهاء الطوارئ لم يُنهِ آثارها"، مشددًا على استمرار تأثير تلك القوانين على ملفات مثل قضية الناشط علاء عبد الفتاح والمدوّن محمد أكسجين، وغيرهم من السجناء السياسيين.
وقال لطفي، إن مشروع القانون الجديد لا يهدد فقط الضمانات القضائية، بل "يحمي منتهكي الحقوق من المحاسبة عبر صيغ قانونية تعيق ملاحقة موظفين عموميين وأفراد أمن ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين".
أصوات معارضة داخلية تتلاشى أمام البرلمان
الرفض لم يكن دوليًا فقط. فعلى المستوى المحلي، سبق أن وجّه المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة مناشدة للرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم التصديق على مشروع القانون، محذرًا من "عوار دستوري وقانوني" في العديد من مواده.
كما أبدت نقابة الصحفيين والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية وحقوقيون بارزون اعتراضهم على النصوص التي اعتبروها "انتكاسة للحقوق الدستورية"، بما في ذلك فرض قيود على الاستشكال في الأحكام، وتوسيع إجراءات التحفظ على الأموال، واستخدام الأسورة الإلكترونية كبديل فضفاض للحبس الاحتياطي.
تهديد شامل للمواطنين
وكان سبعة من المقررين الخواص في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة قد بعثوا برسالة تفصيلية إلى الحكومة في نوفمبر الماضي، حذروا فيها من خطورة القانون الجديد على حقوق المواطنين جميعًا، سواء كانوا متهمين أو ضحايا أو شهودًا أو حتى مدافعين عن حقوق الإنسان.