استدعت النيابة العامة الدكتور خالد أمين، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء وعضو مجلسها، للتحقيق في بلاغ رسمي تقدّم به وزير الصحة والسكان، خالد عبد الغفار.

وجاء التحقيق على خلفية تصريحات إعلامية لأمين انتقد فيها تدهور أوضاع الأطباء وتزايد موجات هجرتهم بسبب تدني الأجور وسوء بيئة العمل، وهي قضايا موثقة منذ سنوات وتشكل عناوين بارزة لأزمة مستعصية في القطاع الصحي الحكومي، في سابقة قضائية ونقابية أثارت قلقًا واسعًا.

هذه الواقعة، التي انتهت بإخلاء سبيل الدكتور خالد أمين بضمان محل إقامته، ليست مجرد خلاف شخصي بين وزارة الصحة وممثل نقابي، بل تمثل – وفق مراقبين – نقطة فاصلة في علاقة الدولة بالنقابات المهنية، وانعكاسًا لمناخ يُضيّق على حرية التعبير والعمل النقابي، رغم الحصانات التي يكفلها الدستور.

 

الوزارة ترد على الانتقاد بالبلاغات
البلاغ الذي تقدّم به الوزير ضد عضو منتخب في مجلس نقابة الأطباء استند إلى تصريحات إعلامية وصف فيها الدكتور خالد أمين الواقع النقابي والطبي بما يحمله من تحديات: هجرة يومية للأطباء، وتراجع حاد في نسب التشغيل داخل المستشفيات، ورواتب لا تكفي لبداية حياة مهنية كريمة.

وزارة الصحة اعتبرت هذه التصريحات "نشرًا متعمدًا لأخبار كاذبة"، وفق المادة 188 من قانون العقوبات، والتي تنص على عقوبات بالحبس والغرامة لكل من ينشر بيانات من شأنها "تكدير السلم العام أو إثارة الفزع".

 

النقابة ترد بالأرقام والوثائق
على الجانب الآخر، جاء رد النقابة موثقًا ومدعومًا بالمستندات الرسمية. فبحسب الممثل القانوني للنقابة محمود إسماعيل، قدّم الدكتور خالد أمين خلال التحقيق كشوفات رسمية تظهر أن عدد الأطباء الذين حصلوا على شهادات "طبيب حر" خلال عام 2024 بلغ 4261 طبيبًا، بمعدل 12 طبيبًا يوميًا، وهي أرقام مثبتة وموثقة ضمن تقارير نقابية سابقة.

كما عرض أمين نتائج دراسة حكومية – شاركت فيها منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة – تكشف أن نسبة الأطباء العاملين فعليًا في وزارة الصحة لا تتجاوز 38% من إجمالي الأطباء في مصر، في مقابل معيار عالمي يبلغ 24 طبيبًا لكل 10 آلاف مواطن، بينما المعدل المحلي لا يتجاوز 8.6.

فيما يخص الرواتب، قدّم أمين مستندات تفيد أن متوسط دخل الطبيب حديث التخرج أو الحاصل على ماجستير لا يتجاوز 6 إلى 7 آلاف جنيه شهريًا، مؤكدًا أن هذا الرقم لا يغطي الحد الأدنى لتكاليف الحياة المهنية أو الاجتماعية.

 

تجريم العمل النقابي؟
رأى محامون وسياسيون أن ما جرى يعد تهديدًا مباشرًا لاستقلال النقابات المهنية. المحامي ياسر سعد أكد في تصريحاته أن التحقيق مع ممثل نقابي بسبب تصريحاته "يمثل تعديًا على حق دستوري"، مشيرًا إلى أن العمل النقابي يجب أن يكون بمنأى عن الملاحقة القضائية، طالما لم يصدر عنه تحريض أو قذف.

النائب الدكتور فريدي البياضي تقدم بطلب إحاطة عاجل إلى وزير الصحة، واعتبر تقديم بلاغ ضد عضو مجلس النقابة "انتهاكًا صريحًا للدستور" و"تقويضًا لدور النقابات كشريك في وضع السياسات العامة"، محذرًا من تكرار مثل هذه السوابق التي تهدد مسار العمل العام.

 

ليست الحادثة الأولى
ورغم أن بلاغ الوزير الحالي يُعد سابقة لجهة منصبه، فإن التحقيق مع أعضاء مجلس النقابة على خلفية تصريحاتهم ليس جديدًا. فقد خضعت الدكتورة منى مينا في 2016 لتحقيق رسمي بسبب حديثها عن إعادة استخدام السرنجات، كما استُدعي الدكتور إيهاب الطاهر في 2017 على خلفية نشره لمخاطبات نقابية متعلقة بـ"البورد الطبي العسكري".

محمد بدوي، عضو مجلس نقابة أطباء الأسنان سابقًا، حذّر من "ترهيب ممنهج للعمل النقابي"، وقال إن "الحديث عن واقع الأطباء لا يجب أن يُقابل بتحقيق، بل بحوار وإصلاح"، مؤكدًا أن "الأرقام التي نوقشت موثقة ومنشورة، وليست تسريبات أو شائعات".