أثار قرار حكومي صادر مؤخرًا موجة غضب واسعة بين المواطنين، بعدما منح تسهيلات استثنائية للواء حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، لتقنين قطعة أرض يمتلكها بمنطقة الحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر وتحويل نشاطها من زراعي إلى سكني، دون دفع الرسوم المفروضة على باقي المالكين.
القرار الذي حمل رقم 801 لسنة 2023، ونشرته الجريدة الرسمية "الوقائع المصرية"، صدر في سبتمبر الماضي عن وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، ويقضي بالموافقة على تعديل تخطيط وتقسيم قطعة أرض بمساحة 14.33 فدانًا، مملوكة للعادلي، لإقامة مشروع فيلات سكنية بمقابل "عيني" – أي عبر التنازل عن نصف الأرض لصالح الدولة في موقع بديل – دون فرض أي رسوم تحويل أو تقنين.
استثناءات العادلي.. وغضب المالكين
في حين يُجبر الآلاف من مالكي أراضي الحزام الأخضر، الذين اشتروا أراضيهم من شركة "6 أكتوبر الزراعية" بعقود موثقة منذ أكثر من عقدين، على دفع رسوم تصل إلى 2500 جنيه للمتر لتقنين أوضاعهم وتحويل النشاط من زراعي إلى عمراني، يحظى وزير الداخلية الأسبق بمعاملة خاصة، تُعفيه من كل ذلك.
ويشمل القرار أيضًا اعتماد المخططات الهندسية لمشروعه السكني وتسهيلات واسعة في التنفيذ، إضافة إلى التزام الدولة بتوفير موقع بديل للعادلي عند التنازل عن نصف الأرض، وهو ما أثار تساؤلات حادة حول مدى التزام الحكومة بمبدأ المساواة أمام القانون، وفتح الباب لاتهامات بـ"شرعنة الامتيازات" لبعض الشخصيات المحسوبة على النظام السابق وبالأخص قاتل المتظاهرين في ثورة يناير 2025.
قضية عادلة.. أم عودة نفوذ؟
أثار القرار حفيظة المئات من سكان وملاك الحزام الأخضر، الذين يرون في التسهيلات الممنوحة للعادلي تمييزًا فاضحًا ضد المواطنين العاديين، الذين يواجهون منذ أكثر من عشر سنوات أزمة قانونية مستعصية تتعلق بمستقبل أراضيهم ومنازلهم.
وترجع جذور الأزمة إلى عام 2011 حين قررت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلغاء تخصيص أراضي شركة "6 أكتوبر الزراعية"، بحجة مخالفة النشاط وتحويله إلى البناء دون تراخيص. ومنذ ذلك الحين، خاض المالكون معركة شاقة لإثبات حقوقهم في الأراضي التي اشتروها بعقود موثقة ومسجلة، فيما ظل ملف تقنين الأوضاع رهين قرارات حكومية مشددة تتطلب دفع مبالغ طائلة، وتهدد بالإزالة في حال المخالفة.
وفي عام 2019، وضعت الهيئة ضوابط صارمة لتقنين الوضع، تضمنت فرض رسوم تغيير النشاط واشتراطات بناء مرهقة. إلا أن هذه المعايير يبدو أنها لا تنطبق على الجميع، إذ تُمنح استثناءات صريحة للبعض، وفي مقدمتهم حبيب العادلي، الذي لا يزال اسمه مرتبطًا بقضايا فساد واستغلال نفوذ، رغم الإفراج عنه لاحقًا بعد انتهاء مدة العقوبة.
مخططات انتقائية.. أم فساد قانوني؟
ما يزيد من حدة الجدل أن القرار الوزاري لم يأتِ في سياق حل شامل لأزمة الحزام الأخضر، بل بدا وكأنه تسوية خاصة لشخصية نافذة، تتجاوز قواعد التقنين المطبقة على آلاف الملاك الذين يواجهون خطر نزع الأراضي أو هدم منازلهم.
ويرى مراقبون أن تمرير مثل هذه القرارات يعكس نهجًا انتقائيًا في التعامل مع ملفات الأرض في مصر، حيث تتحول القرارات الوزارية إلى أدوات لتصفية النفوذ أو دعمه، بعيدًا عن أية معايير موحدة أو عدالة إجرائية.
ويعزز ذلك استمرار رفض الجهات الرسمية الاعتراف بحقوق الملاك التاريخية، مقابل فتح الباب أمام دخول كبار المستثمرين، أو المقربين من دوائر الحكم، إلى مشروعات استثمارية ضخمة بضمانات حكومية.
حزام الغضب.. بين الاحتجاج والقضاء
الغضب الشعبي لم يقتصر على صفحات التواصل الاجتماعي، بل تُرجم إلى وقفات احتجاجية ودعاوى قضائية متعددة رفعها المالكون ضد الحكومة، مطالبين بتثبيت عقودهم وإيقاف ما وصفوه بـ"عملية الإقصاء المنهجية" للمواطنين من أراضيهم لصالح مشاريع خاصة.
ويخشى كثير من سكان الحزام الأخضر أن تتحول المنطقة إلى رمز لعدم المساواة وتغوّل النفوذ، في ظل استمرار تجاهل معاناتهم وغياب حل عادل وشامل للأزمة، يضمن حقوقهم في السكن والاستثمار، ويردع في الوقت نفسه محاولات إعادة تدوير رموز النظام السابق في مواقع حساسة، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو حتى العقارات.