كشفت زيارة وزير البترول كريم بدوي إلى الدوحة عن نية القاهرة توقيع عقود طويلة الأجل لاستيراد الغاز الطبيعي من قطر، أحد أكبر مصدّري الغاز المسال في العالم.
خطوة تأتي وسط ضغوط إسرائيلية غير مسبوقة على القاهرة لرفع أسعار الغاز، في وقت تتفاقم فيه أزمة الطاقة بمصر مع اقتراب شهور الصيف وزيادة استهلاك الكهرباء.
الزيارة التي جرت يوم الاثنين 12 مايو الجاري، شهدت محادثات بين الوزير المصري ونظيره القطري سعد شريدة الكعبي، لبحث تنفيذ مشروعات مشتركة وتوسيع التعاون الثنائي، لا سيما في ملف الغاز الطبيعي.
ورغم التكتم الرسمي على تفاصيل الاتفاق المرتقب -عدد الشحنات، القيم المالية، فترة التوريد- إلا أن الرسائل السياسية والاقتصادية كانت واضحة.
رهان القاهرة على "الوفاق الخليجي"
الانفتاح المصري على الغاز القطري يعكس مرحلة من التعاون الوثيق بعد سنوات من القطيعة السياسية بين 2013 و2021.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، وسّعت "قطر للطاقة" استثماراتها في مصر، فاستحوذت على نسب مؤثرة في امتيازات تابعة لعمالقة عالميين مثل "شل" و"إكسون موبيل" و"شيفرون"، ما جعلها شريكًا استراتيجيًا في مشهد الطاقة المصري.
المسار الجديد يعكس رغبة القاهرة في تقليص تبعيتها لإسرائيل كمصدر رئيسي للغاز، خصوصًا مع تزايد التوترات السياسية وتأخر تل أبيب في ضخ 200 مليون قدم إضافية من الغاز بدعوى مراجعة الأسعار، رغم وجود اتفاق موقّع عام 2018 بأسعار ثابتة.
إسرائيل تساوم.. والضغط يرتفع
تقارير إعلامية عديدة أفادت أن إسرائيل تطالب برفع سعر المليون وحدة حرارية إلى أكثر من 8 دولارات، متجاهلة الانخفاض العالمي في أسعار الغاز.
البنك الدولي توقع نهاية أبريل الماضي تراجعًا في أسعار الوقود بنسبة 17% هذا العام، و6% إضافية في 2026، لكن تل أبيب تصر على رفع السعر، وهو ما يضع الموازنة المصرية المنهكة أصلًا تحت ضغط إضافي.
تفاقم الوضع في ظل عجز يومي في الغاز المحلي يصل إلى 2.7 مليار قدم مكعب خلال الصيف، مقابل استهلاك يومي يتجاوز 7 مليارات قدم مكعب، يجعل مصر بين خيارين أحلاهما مرّ: إما الخضوع للشروط الإسرائيلية، أو استيراد غاز مسال بتكلفة أعلى من مصادر أبعد مثل قطر.
هل تُنهي قطر هيمنة إسرائيل على أمن الطاقة المصري؟
بحسب نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية، فإن الاتجاه نحو عقود طويلة الأجل مع قطر يمثل تغييرًا جذريًا في السياسة المصرية، التي كانت تراهن في السابق على الاكتشافات المحلية لتقليص فاتورة الاستيراد.
لكن فشل الامتيازات الجديدة بالبحر الأحمر في تحقيق اكتشافات ذات جدوى، وقرار شركات كبرى مثل "شل" و"إكسون موبيل" و"مبادلة" الإماراتية بالانسحاب من المشهد، زاد من تعقيد الأزمة.
خيبة إنتاج.. ومأزق هيكلي
البيانات الرسمية تكشف عن تراجع إنتاج مصر من الغاز بنسبة 17% خلال 2024، مسجلًا 49.37 مليار متر مكعب فقط، مقارنة بـ59.29 مليار في 2023، وهو أدنى مستوى منذ 8 سنوات.
هذا التراجع، وفق محللين، يكشف عن خلل هيكلي في إدارة الموارد، ويُشكّك في مصداقية روايات رسمية سابقة بشّر فيها المسؤولون بأن احتياطي حقل "ظُهر" يكفي مصر لعقود.
السياسي المصري محمد عوض، رئيس حزب الخضر، رأى أن الأزمة "ليست في الاعتماد على إسرائيل أو قطر، بل في سوء إدارة الموارد"، مشيرًا إلى أن الحكومة أنفقت مليارات على محطات كهرباء لا تملك وقودًا كافيًا لتشغيلها، بينما تجاهلت الاستثمار الحقيقي في الطاقة المتجددة.
من مركز إقليمي إلى مستورد متعثر
في 2018، أعلن عبد الفتاح السيسي أن مصر أصبحت مركزًا إقليميًا للطاقة.
لكن الواقع اليوم مختلف؛ فالقاهرة خرجت من نادي المصدرين، وتحولت إلى مستورد أساسي للغاز، وتسعى لتأمين ما لا يقل عن 160 شحنة غاز مسال هذا العام، وسط عجز تمويلي هائل يبلغ 3.6 تريليونات جنيه في موازنة 2025/2026.