خفض صندوق النقد الدولي، في آخر تحديث لتقرير "آفاق الاقتصاد العالمي"، توقعاته لنمو اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2.6% فقط في عام 2025، بانخفاض حاد عن توقعاته السابقة التي بلغت 4%. وشمل التخفيض أغلب دول المنطقة، باستثناء مصر، التي رفع الصندوق توقعاته لنمو اقتصادها إلى 2.8%، بزيادة قدرها 0.2%.
في المقابل، حذر الصندوق عبر مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، جهاد أزعور، من أن الغموض الجيوسياسي، والحروب التجارية، وتقلب أسعار النفط، تُلقي بظلال قاتمة على الاستثمار والاستهلاك في المنطقة، محذرًا مصر من تسريع وتيرة خفض أسعار الفائدة خشية تجدد الضغوط التضخمية.
استثناء مشكوك فيه
استثناء مصر من توقعات الانكماش الإقليمي أثار علامات استفهام واسعة، لا سيما في ظل واقع اقتصادي متأزم: الجنيه في حالة تدهور مزمن، معدلات التضخم لا تزال مرتفعة رغم تراجعها النسبي، وخسائر قناة السويس فاقت التقديرات نتيجة تراجع حركة التجارة الدولية، كما لا تزال مشاركة الجيش في الاقتصاد تمثل عائقًا هيكليًا أمام نمو القطاع الخاص، الذي يعاني من التهميش ونقص السيولة.
وبرغم أن الصندوق أشار إلى أن مصر "تستفيد من الرسوم الجمركية المخفضة في ظل السياسات التجارية الجديدة للولايات المتحدة"، إلا أن خبراء اقتصاديين مصريين شككوا في استدامة هذا الأثر. وأكدوا أن مصر تفتقر إلى القدرة التنافسية التي تمكنها من الاستفادة القصوى من اتفاقيات مثل "الكويز" أو الإعفاءات الجمركية الأميركية.
"إيجابيات" مهددة بالسقوط
تفسير صندوق النقد لمكاسب مصر المحتملة من الرسوم الجمركية، التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ركز على دخول الصادرات المصرية السوق الأميركي بنسبة تعرفة جمركية منخفضة (10%)، مقابل نسب تتراوح بين 40 و50% على دول مثل الصين، فيتنام، وبنغلاديش.
وتفيد بيانات حكومية بأن الصادرات المصرية للولايات المتحدة بلغت 2.2 مليار دولار في 2024، لكن أكثر من ثلثها يتركز في الملابس الجاهزة، وهي صناعة تواجه تحديات هيكلية، من ضعف التمويل، إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج. وتحذّر عبلة عبد اللطيف، مديرة المركز المصري للدراسات الاقتصادية، من أن الرسوم الجديدة قد تُؤدي فعليًا إلى تآكل التنافسية بدل تعزيزها، بسبب ضعف البنية التحتية الصناعية.
تحذيرات من الداخل والخارج
رغم التفاؤل الظاهري، تتوقع مؤسسات بحثية مصرية ودولية أن تواجه مصر صدمات محتملة في المستقبل القريب، بفعل مجموعة من العوامل: بطء الإصلاحات، مزاحمة المؤسسات العسكرية للقطاع الخاص، وأثر الحروب التجارية العالمية.
وأشار الخبير المصرفي المصري إلى أن ما وصفه بـ"الفوضى الاقتصادية" قد يتسبب في انتكاسة مفاجئة في توقعات النمو، خاصة إذا تراجعت الثقة الدولية في التزام مصر بالإصلاحات الهيكلية التي يطالب بها صندوق النقد.
كما حذر صندوق النقد نفسه من اتساع عجز الحساب الجاري لمصر إلى 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي الجاري، وهي نسبة مرتفعة قد تؤثر سلبًا على تدفقات العملة الأجنبية وعلى استقرار سعر الصرف.
عاصفة اقتصادية عالمية
وتأتي هذه التوقعات وسط تدهور في النمو العالمي، حيث خفض الصندوق توقعاته للنمو في أغلب دول العالم، من الولايات المتحدة إلى الصين وأوروبا، ولفت إلى أن سياسات الحمائية التجارية تسببت في تراجع غير مسبوق في معنويات السوق، وزيادة عدم اليقين، وتدهور في حركة رؤوس الأموال.
وفي تحذير غير معتاد، أشار التقرير إلى أن العالم يواجه خطر موجة احتجاجات اجتماعية جديدة، بفعل استمرار أزمة غلاء المعيشة وتآكل قدرة الحكومات على التدخل، وهي عوامل تضاعف خطورتها في بلدان مثل مصر، التي تعاني من هشاشة اقتصادية واجتماعية مزمنة.
هل يتكرر سيناريو "التوقعات المضللة"؟
رغم رفع توقعات النمو لمصر إلى 3.8% في 2024 و4.3% في 2025، وفقاً للصندوق، إلا أن الذاكرة الاقتصادية القريبة تحذر من تكرار ما حدث في سنوات سابقة، حيث بالغ الصندوق في تفاؤله بشأن الاقتصاد المصري، ليتراجع لاحقًا بشكل مفاجئ مع تبدد الوعود وغياب التنفيذ الفعلي للإصلاحات.
ويختم التقرير بالتحذير من "مطبات اقتصادية" مرتقبة، قد لا تتمكن مصر من تجاوزها إذا استمرت المعالجات الجزئية والتجميلية للأزمات الهيكلية، في ظل بيئة دولية تسير نحو مزيد من التقلب والتوتر، ومجتمع محلي مرهق من الغلاء وغياب الثقة.