في مشهد لا تتجاوز مدته بضع ثوانٍ، خرجت من فم عامل بنغالي بسيط عبارةٌ صادمة في بساطتها: "بيبسي حرام.. انتا مجنون؟ الفلسطيني كل يوم بيموت!"، لكنّ وقعها كان كالسهم، مزّق غلالة الصمت، وفضح هشاشة المواقف الشعبية تجاه جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

الفيديو، الذي تم تصويره بنية السخرية، تحوّل إلى ما يشبه صدمة ضمير جماعي، وفتح بابًا واسعًا للنقاش حول دور الأفراد في المقاطعة الاقتصادية وموقف الشعوب من قضية فلسطين. من سخرية إلى أيقونة وقعت الحادثة في إحدى الدول الخليجية، حيث ظهر الشاب العربي وهو يحمل عبوة "بيبسي"، قبل أن يفاجئه العامل البنغالي بالصرخة التي لم يتوقعها: "حرام.. بيبسي حرام!".

ما حدث بعد ذلك كان مفارقة مؤلمة: الشاب وأصدقاؤه انفجروا ضحكًا، فيما كان العامل – بلغته المتعثرة وموقفه المبدئي – يحاول إيصال رسالة أكبر من كل الضحكات. ولم تمضِ ساعات على انتشار المقطع، حتى تحوّل الرجل إلى ما يشبه "ضميرًا حيًا" يعبّر عن فئة مسحوقة اجتماعيًا، لكنها أكثر وعيًا أخلاقيًا من فئات مرفّهة استسلمت لحياة الاستهلاك غير الواعي، بل وسخرت من كل من يذكّرها بمأساة غزة المستمرة منذ عام 2023 حتى هذه اللحظة.

حين يفقد بعض العرب البوصلة.. ويستعيدها عامل مهاجر تأتي هذه الحادثة في وقت تتعرض فيه غزة لأبشع حملات الإبادة في تاريخها الحديث، وسط صمت رسمي عربي وتواطؤ دولي مفضوح. ومع أن حملات المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الداعمة للاحتلال – مثل "بيبسي"، "كوكاكولا"، "KFC"، و"ستاربكس" – تكتسب زخمًا متصاعدًا في العديد من الدول الأوروبية واللاتينية، إلا أن المشهد في جزء من العالم العربي يبدو معكوسًا: إصرار على الاستهلاك، تجاهل للدعوات الشعبية، بل وتهكّم على من يذكّر بالدم الفلسطيني الذي يسيل يوميًا.

الوعي لا يحتاج شهادة.. بل ضمير من بين آلاف التعليقات التي غزت منصات التواصل بعد انتشار الفيديو، برزت جملة تتكرر كثيرًا: "قال ما لم يقله مثقفونا."، في إشارة إلى فشل النخب العربية في خلق خطاب مقاوم متجذّر في حياة الناس، مقابل ظهور صوت عامل مهاجر يحمل وعيًا أخلاقيًا حادًا رغم تواضع لغته ومكانته الاجتماعية.

هنا، يبرز التناقض الحاد: كيف لمن لا يملك سوى قوت يومه أن يتمسك بالموقف الأخلاقي، بينما يسخر منه من يمتلك المال والفرصة والمنصة؟ المقاطعة ليست رفاهية.. بل موقف أخلاقي أعاد هذا المشهد إحياء النقاش القديم المتجدد حول فعالية المقاطعة الاقتصادية كأداة ضغط مدنية. ورغم محاولات بعض الحكومات العربية إحباط الحملات الشعبية للمقاطعة – عبر تسويق "الحياد الاستهلاكي" أو تغليب المصالح التجارية – إلا أن صرخة العامل البنغالي أعادت تسليط الضوء على البعد الأخلاقي للمقاطعة، باعتبارها أبسط أشكال المقاومة الممكنة في زمن العجز الجماعي.

الفيديو:

https://www.youtube.com/watch?v=IFC1mPxgXvs

https://www.youtube.com/watch?v=X8_9IafnaXs

https://www.instagram.com/reel/DIgF_6LpldA