يشهد الجنيه المصري كل يوم تراجعًا جديدًا أمام الدولار الأميركي بعد أن وصل إلى 51.7 للدولار الواحد، وسط ضغوط اقتصادية متصاعدة تشمل هروب الأموال "الساخنة" وارتفاع الطلب المحلي على العملة الأميركية، ما يعيد إلى الواجهة مخاوف من موجة تضخم جديدة قد تُفاقم الأعباء المعيشية للمواطنين، وتؤثر على مستويات الأسعار.

وأظهرت بيانات للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الخميس الماضي، أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين بالمدن ارتفع إلى 13.6% في مارس الماضي مقابل 12.8% الشهر السابق، متجاوزا توقعات المحللين.

أدى تنافس البنوك على شراء الدولار إلى بقائه صاعدًا في شاشات البنوك، طوال الأيام الماضية، بينما بدا اللون الأحمر على شاشات البنك المركزي، وشاشات التداول بسوق الذهب، في تأرجح متواصل يفسره اقتصاديون بأنه انعكاس لحالة الاضطراب التي تشهدها السوق المحلية، المتأثرة بشدة بهشاشة الاقتصاد المتأزم بشدة من الضغوط التي أحدثها حرب الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس الأميركي ترامب نهاية الأسبوع الماضي، قبل أن يعلق غالبيتها أمس الأربعاء، مستثنيًا الصين التي زاد الرسوم عليها.

أشار محللون ماليون إلى خروج كميات كبيرة من الدولار المستثمر في الأموال الساخنة، جراء تخليهم عن السندات وأوراق الدين المحلية، هربًا من المخاطر العالية في سوق أداوت الدين، والأسواق الناشئة، طلبًا لملاذ أكثر أمنًا، دفع البنوك إلى توفير السيولة بصورة عاجلة للمستثمرين العرب والأجانب على مدار الأيام الماضية، بما أوجد ضغوطًا مكثفة على الدولار.

 

تراجع جماعي للأسهم

في سياق متصل، شهدت البورصة تراجعًا جماعيًا بمؤشرات الأسهم لتصل بنسبة 4.5%، بمؤشرها الرئيسي ايجي أكس 30، لتهبط إلى أدنى مستوى مسجل لها منذ بداية العام، عند 28 ألفًا و332 نقطة، وهبوط المؤشر ايجي إكس 70 بنسبة 4.82%، وإيجي إكس 100 بنسبة 5.01%.

قالت خبيرة سوق المال حنان رمسيس إن الضغوط البيعية من المستثمرين المحليين والعرب، بصورة مكثفة، أدت إلى تراجع جميع المؤشرات، متأثرة بالزيادة الهائلة في التعرفة الجمركية على الصين، واضطراب أسواق المال في أنحاء العالم، بسبب ما أحدثه تعرفة ترامب من توترات جيو-سياسية في أنحاء العالم، وورود بعض آثارها على البورصة المصرية.

أكدت مصادر اقتصادية أن ضغوط الطلب على الدولار أدت إلى خروج نحو 1.5 مليار دولار منذ بداية الأسبوع من البنوك، بعضها يمثل استرداد قيمة أذون الخزانة وأخرى عوائد بيع الأسهم في البورصة والسندات مع زيادة طلب الحكومة على الدولار لتمويل شراء صفقات الغاز ودفع مستحقات الشركات الأجانب بمشروعات النفط والغاز.

 

حروب ترامب

أبدى نائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية ورئيس غرفة التجارة الأميركية طارق توفيق قلقه من تأثير سياسات ترامب، على مصر ودول المنطقة، مشيرًا إلى أن أي تصعيد جيوسياسي قد يؤدي إلى تدفق رؤوس الأموال للخارج، مبينًا في تصريحات صحافية أمس، أن الحرب الإسرائيلية على غزة تؤثر على الاستثمارات الأجنبية وتزيد الضغوط على الجنيه ما يشكل تحديًا جديدًا للاقتصاد المصري، الذي يشهد تراجعًا بإيرادات قناة السويس وتدفقات العملات الأجنبية.

أشار توفيق إلى أنه على الرغم من التقدم الذي أُحرز بمجالات مثل البنية التحتية والطاقة، إلا أن الاقتصاد لا يزال يعتمد بشكل كبير على الأنشطة الريعية مثل بيع الأراضي والموارد الطبيعية وعوائد قناة السويس، مشددًا على ضرورة تغيير الحكومة طريقة التفكير في مواجهة الصدمات الاقتصادية وخاصة بعد صدور تعرفة ترامب التي اختص بها مصر بنسبة 10% على الواردات للسوق الأميركية.

وأشار توفيق إلى أهمية تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، موضحًا أنه يجب أن يتحمل جزءًا أكبر من عبء الدين الخارجي، بدلًا من أن يكون العبء كاملًا على الدولة. وأكد أن مصر بحاجة إلى أن تكون أكثر مرونة في تخصيص الأراضي وتحفيز الاستثمارات الصناعية لتسريع النمو الاقتصادي.

 

صدمة الجنيه المصري

أرجع أعضاء بجمعية رجال الأعمال المصريين تأثر الجنيه بصدمة التعرفة بشدة إلى اعتماد الحكومة على الأموال الساخنة في تمويل العجز المزمن في العملة الصعبة، من دون قدرتها على إقامة مشروعات إنتاجية قادرة على توليد الدولار من الصناعات الإنتاجية، بما يعمق هشاشة الاقتصاد ويدفع إلى زيادة الطلب على الدولار عند حدوث أزمات دولية مفاجئة.

أكد رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية عمر مهنا أن استهلاك الحكومة لنحو 90% من إجمالي الودائع المحلية بالبنوك واعتمادها على الأموال الساخنة في توفير الدولار، عطل من قدرة القطاع الخاص على المشاركة في دعم الاقتصاد وتحمل جزء من الخسائر الناجمة عن الأزمات المفاجئة التي يتعرض لها، بما يلقي العبء على الموازنة العامة للدولة. يرى مهنا في خروج الأموال الساخنة من مصر فرصة لتحسين السياسات البنكية وتشجيع القطاع الخاص على النمو، وعدم اعتماد الدولة على أذون الخزانة التي تجعلها أسيرة للظروف المضطربة الحالية.

توقع محللون أن يشهد الطلب على الدولار ارتفاعًا خلال الأيام المقبلة، متأثرًا بتدهور أسواق المال دوليًا، مع رغبة المستثمرين في التحوط بالسيولة، واكتناز "الكاش" أملًا في ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار بالفيدرالي الأميركي، وانتظار نتائج تطبيق تعرفة ترامب على أسعار السلع ومستلزمات الإنتاج وسلاسل الإمداد، بما يدفع كبار الموردين المحليين إلى البحث عن السيولة بالسوق المحلية، للتحوط عند تعاقدهم على صفقات جديدة.

يشير المحللون إلى أن حالة الانكماش في طلب الواردات حاليًا تدفع كبار الموردين إلى الاحتفاظ بما لديهم من مخزون من السلع، وخفض الائتمان للمنتجات المتفق على توريد بموجب عقود واجبة التنفيذ على المدى القصير، بما دفع الأسعار إلى الارتفاع لبعض السلع الموجودة لدى الموزعين الرئيسيين، التي بدأت بعض آثارها تصل إلى الأسواق.