من بين الجرائم العديدة التي ارتكبتها إسرائيل، يبرز قتل الأطفال الفلسطينيين بوصفه أحد أبشعها. أسماء مثل محمد الدرة (2000) وهند رجب (2024) لم تُمحَ من الذاكرة، وهما مجرد مثالين على آلاف الضحايا.
منذ بداية عام 2025، صعّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملياتها الوحشية ضد أطفال غزة إلى مستوى "صناعي"، وفق وصف تقارير أممية، أي ممهنج ومنتظم. وكالة الأونروا أكدت مقتل طفل كل ساعة في غزة، فيما تشير التقديرات الأخيرة إلى استشهاد أكثر من 17.400 طفل، منهم 15.600 موثقون بالاسم، والبقية ما زالوا تحت الأنقاض. فقط منذ مارس 2025، استشهد أكثر من 300 طفل بحسب اليونيسف.
تشير هذه الأرقام إلى سياسة متعمدة تهدف إلى إبادة الفئة الأكثر ضعفًا في القطاع، حيث يشكل الأطفال أكثر من نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. هؤلاء لم يعرفوا سوى الحصار، والفقر، والحروب المتكررة.
قبل 7 أكتوبر، لم تكن الحياة في غزة وردية؛ فقد فرض الاحتلال حصارًا دام 17 عامًا، مما دفع الشباب الفلسطيني إلى مقاومة مستمرة أملاً في إيقاظ ضمير العالم. الهجوم في أكتوبر كان نتيجة حتمية لسنوات من القمع. رغم ذلك، أظهرت القوى الغربية صدمة مصطنعة عند انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، رغم التحذيرات المتكررة من انفجار الأوضاع.
في عام 2003، حذر رئيس الكنيست السابق أڤراهام بورغ من أن تجاهل معاناة الأطفال الفلسطينيين سيؤدي إلى أجيال تملؤها الكراهية، وأضاف: "يمكننا قتل ألف قائد يوميًا ولن نحل شيئًا، لأن القادة يأتون من تحت، من بئر الظلم والغضب".
بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، كان حتمًا على دراية بهذه التحذيرات. مسيرته السياسية الطويلة كرّسها لتعزيز هيمنة اليهود وسحق حقوق الفلسطينيين. اليوم، يواجه قضايا فساد في محاكم الداخل، ويلاحقه القضاء الدولي بتهم ارتكاب جرائم حرب. نهايته تلوح في الأفق، لكنها ليست نهاية شرف، بل نهاية مغمورة بالعار.
يبدو أن آخر رهاناته هو تحقيق نصر شامل في غزة، ولو كلّف ذلك استمرار المجازر الجماعية. لكن المسؤولية القانونية والتاريخية لن تزول. كل من ساهم أو دعم تلك الجرائم سيواجه لحظة الحساب.
أما الناجون من هذه الإبادة الجماعية، فلن يرسلوا الورود للمحتل، بل سيواصلون المقاومة كما فعل أسلافهم. الجنود الذين حوّلوا قتل الأطفال إلى مسابقة ومصدر ربح سيجدون أنفسهم يومًا في قفص الاتهام.
في المقابل، يقف قادة "العالم الحر" ليبكوا على الأطفال الأوكرانيين بينما يغضّون الطرف عن أطفال فلسطين. أين كنتم؟
يجيب عن ذلك الإسرائيلي يتسحاق فرانكنثال، والد أحد الجنود، بقوله: "نفاقنا هو ما يدفع الفلسطينيين للمقاومة. نرفع شعار الأخلاقيات العسكرية، وجيشنا يقتل الأطفال الأبرياء".