زيارة الرئيس الإندونيسي برابوو سوبينتو إلى أبو ظبي وسعيه للتعاون مع الإمارات لإيجاد حل للإبادة الجارية في فلسطين يثيران تساؤلات أخلاقية واستراتيجية خطيرة.
رغم أن الدبلوماسية والشراكات الدولية تشكل جوهر السياسة الخارجية الإندونيسية، إلا أن اختيار الشركاء والدوافع السياسية خلف هذه التحركات يُعد بالغ الأهمية، خصوصًا حين تتعلق حياة الفلسطينيين بالأمر.
من خلال التوجه إلى الإمارات، التي طبّعت علاقتها مع الاحتلال عبر اتفاقيات أبراهام عام 2020، يُخاطر برابوو بربط إندونيسيا بجهات متورطة في معاناة الفلسطينيين.
الإمارات عززت علاقاتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية مع إسرائيل خلال السنوات الخمس الماضية.
من غير المنطقي تصويرها كجهة إنسانية محايدة في غزة، في وقت أسهمت فيه تلك العلاقات في منح الاحتلال غطاءً لمواصلة جرائمه.
ما يزيد من سوء الخطوة هو التوقيت والسياق؛ حيث جرى توقيع ثمانية اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتعاون الأمني والطاقة المتجددة والاستثمار في الثروة الحيوانية خلال الزيارة نفسها، التي جاءت في ظاهرها لدعم غزة.
هذا الربط بين المعاناة الإنسانية والمصالح الاقتصادية يُظهر أن القضية الفلسطينية تُستخدم كورقة لتعزيز العلاقات مع شريك ثري.
برابوو دعا كذلك إلى دعم خطة إجلاء الجرحى من غزة إلى إندونيسيا. رغم النوايا الحسنة المحتملة، إلا أن هذه الخطة تخدم أجندات الاحتلال.
في ظل سيطرة إسرائيل على أكثر من نصف قطاع غزة وقصفها المستمر للمخيمات والمستشفيات، لا يمكن تنفيذ أي خطة إجلاء دون موافقتها. هذا القبول يفتح المجال لاستخدام تلك العمليات في الدعاية وتلميع صورة الاحتلال.
خطر آخر يكمن في إعطاء شرعية لأهداف إسرائيل القديمة، المتمثلة في تفريغ الأرض من سكانها. هذه الخطط لطرد الفلسطينيين، التي دافع عنها ترامب ونتنياهو مرارًا، تجد الآن تغطية إنسانية مزيفة.
ومن دون قصد، تمنح خطة برابوو غطاءً دوليًا لهذا المخطط، بل وتمنح الاحتلال فرصة لإعادة صياغة عدوانه كـ"نجاح إنساني" بتعاون إقليمي.
في الداخل الإندونيسي، يتزايد القلق من أن تتحول هذه التحركات إلى عبء اقتصادي، خاصة في ظل التراجع الاقتصادي والعجز في الميزانية.
تقديم الموارد لعملية إجلاء واسعة قد يُنظر إليه كخطوة سياسية موجهة لتحسين صورة الرئيس، وليس كعمل إنساني حقيقي.
حتى بين الداعمين التقليديين للموقف الإندونيسي تجاه فلسطين، هناك من يرى أن هذه التحركات المسرحية تفقد التضامن مصداقيته. التضامن الحقيقي لا يعني نقل اللاجئين، بل الدفاع عن حق العودة وتحقيق العدالة والمساءلة.
حديث برابوو عن "التشاور مع قادة المنطقة" و"حلول سلمية" مجرد تكرار للغة دبلوماسية لا معنى لها إن جاء بالتعاون مع أطراف تسهم في المشكلة.
بدلًا من الإمارات، على إندونيسيا أن تعزز تحالفاتها مع الدول والحركات التي دعمت دائمًا حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
هناك بدائل كثيرة. يمكن لإندونيسيا أن تلعب دورًا فعالًا من خلال المحافل الدولية، أو دعم الإغاثة عبر منظمات محايدة، أو تكثيف الضغط السياسي على الاحتلال في الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية.
كما يمكنها حشد دعم دول الجنوب الذين بدأوا يملّون من ازدواجية المعايير الغربية.
لطالما حافظت إندونيسيا على موقف ثابت ضد التطبيع، وموقف شعبها مؤيد بشكل راسخ للقضية الفلسطينية. ولكن هذه المكانة الأخلاقية قد تتآكل إذا بدأت القيادة في المساومة على المبادئ مقابل مصالح اقتصادية أو دبلوماسية.
غزة ليست منصة لالتقاط الصور، بل مقبرة أطفال وسجن جماعي ورمز مقاومة. الادعاء بالمساعدة بينما تُمنح الشرعية للمعتدي ليس تضامنًا، بل تواطؤًا.
لا يزال لدى برابوو فرصة لتصحيح المسار. التعاون مع دولة طبّعت العلاقات مع الاحتلال واستمرت في تعزيزها، لا يمكن اعتباره خطوة نحو العدالة.
على إندونيسيا ألا تُضفي شرعية على مثل هذه الأطراف تحت ستار الدبلوماسية الإنسانية. صوت إندونيسيا يجب أن يظل نقيًّا، لأنه مصدره المبادئ، لا المصالح.
https://www.middleeastmonitor.com/20250411-indonesias-uae-gamble-on-palestine-is-misguided/