وثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان مقتل الشاب حسام أبو العباس مصطفى مرسي (26 عامًا) تحت التعذيب الوحشي داخل سجن الوادي الجديد، بعد توثيق المنظمة بعد نحو 10 أشهر على إبلاغ الأجهزة الأمنية أسرته بوفاته نتيجة “هبوط حاد في الدورة الدموية”، في حادثة قالت إنها تكرار لنمط ممنهج من الانتهاكات خلف القضبان، وسط سياسة مستمرة للإفلات من العقاب.

 

إبلاغ متأخر وادعاءات رسمية مريبة
وفقًا لتوثيق الشبكة، تعود الحادثة إلى 17 أغسطس 2024، إلا أن السلطات لم تُبلغ أسرة الشاب بوفاته إلا بعد 48 ساعة، مشيرة في حينها إلى أنها ناتجة عن "هبوط حاد في الدورة الدموية"، دون أي إشارة إلى التعذيب أو الملابسات التي سبقت الوفاة.

لكن رواية الأمن اصطدمت بشهادات عديدة وشكاوى لاحقة، تؤكد أن أبو العباس قضى نتيجة تعذيب جسدي مروع استمر لساعات داخل عنبر 4 المعروف باسم "عنبر الجهاديين"، الذي بات سيئ السمعة بسبب تكرار حالات الوفاة داخله في ظروف مشابهة.

 

"عُصي، صواعق، وأسلاك كهرباء".. أدوات موت خلف القضبان
تشير المعلومات التي جمعتها الشبكة الحقوقية إلى أن عملية التعذيب تمت بعد 6 أيام فقط من وصول أبو العباس إلى السجن، حيث اقتحم زنزانته ضباط من جهاز الأمن الوطني، على رأسهم أحمد ياسر وشهاب، وأمين الشرطة عادل جاد الله، بمشاركة ضباط مباحث السجن أحمد عصام وحسام دسوقي، وعدد من السجناء الجنائيين ضمن ما يعرف بـ"القوة الخاصة" التي تنفذ الاعتداءات ضد المعتقلين السياسيين.

واستخدمت القوة الأمنية عُصي خشبية، وأسلاك كهرباء، وصواعق في تعذيب أبو العباس جسديًا بشكل متواصل لمدة خمس ساعات، ثم نُقل ملفوفًا في بطانية إلى غرفة مجاورة وهو في حالة حرجة، ليلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أيام من المعاناة دون رعاية طبية.

 

جنازة تحت الحصار وشهادات مطموسة
في 19 أغسطس 2024، أبلغت إدارة السجن الأسرة بوفاة ابنها، وسُمح بدفنه في مسقط رأسه بمحافظة الوادي الجديد وسط إجراءات أمنية مشددة، منعًا لتجمع الأهالي أو ظهور مظاهر احتجاج، فيما سادت حالة من الحزن والغضب العارم في بلدته، إذ كان يُعرف بحسن الخلق ومحبة الناس له.

وبحسب شهادات مقربين وسجناء سابقين، فإن طبيب السجن حاول إسعافه دون جدوى، إذ يفتقر سجن الوادي الجديد لأي بنية صحية حقيقية، ورفضت الإدارة نقله إلى مستشفى متخصص. وبعد الوفاة، أجبرت الأجهزة الأمنية عددًا من زملائه على تغيير أقوالهم أمام النيابة، رغم تمسكهم بشهاداتهم الأولى التي أكدت تعرضه للتعذيب.

 

"ذنبُه محتوى ديني على الهاتف"
كان حسام قد اعتُقل في 2 يونيو 2024، ثم تعرض للاختفاء القسري لشهر ونصف داخل مقر أمني، قبل أن يُعرض على النيابة التي قررت حبسه احتياطياً. ووفق أسرته، فإن سبب القبض عليه كان وجود مقاطع صوتية للشيخ عبد الحميد كشك والداعية حازم صلاح أبو إسماعيل على هاتفه المحمول. وهذه لم تكن تجربته الأولى في السجن، إذ سبق اعتقاله بين عامي 2022 و2023 للسبب ذاته.

 

نمط متكرر... و"عنبر 4" شاهد صامت
ما يعزز فرضية أن وفاة أبو العباس لم تكن حادثة فردية هو أن عنبر 4 ذاته شهد بعد أقل من شهرين على هذه الواقعة، وفاة الرائد السابق في القوات المسلحة طارق أبو العزم، الذي توفي في 1 أكتوبر 2024 نتيجة تعذيب مميت، وفق ما وثقته الشبكة الحقوقية نفسها. وبين الواقعتين، 45 يومًا فقط، ما يثير تساؤلات حول طبيعة ما يجري داخل هذا العنبر تحديداً، ولماذا لم يُفتح أي تحقيق جاد حتى الآن.