بعد أن دخلت التعريفات الجمركية الشاملة الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيز التنفيذ، اهتزت الأسواق، وبدأت الشركات والأسر في إعادة النظر في خططها المالية. لكن وفقًا لما ذكرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإن الأسوأ لم يأتِ بعد، وربما تشهد الجولة القادمة ما يمكن تسميته بـ"الضربة القاضية".

 

الحرب التجارية.. عواقب مباشرة وقاسية

أثارت سياسات ترامب التجارية—التي وصفتها تقارير اقتصادية بأنها قائمة على حسابات مشكوك فيها—موجة من الرسوم الانتقامية، وساهمت في تصعيد الحروب التجارية، مما زاد من احتمالات ركود عالمي خلال الأجلين القصير والمتوسط.

ويرى الخبراء أن الخليط الخطير من الخوف، وعدم القدرة على التنبؤ، والاستثمارات المهدورة، والارتفاع المفاجئ في التكاليف، قد يُترجم سريعًا إلى ألم اقتصادي حقيقي ومستدام للمستهلكين حول العالم.

 

جولة جديدة من الرسوم قيد الإعداد

رغم أن التعريفات الجمركية التي دخلت حيز التنفيذ استثنت بعض المواد الأساسية مثل النحاس، ورقائق الكمبيوتر، والأدوية، والأخشاب، والمعادن الحيوية، إلا أن مسؤولين في إدارة ترامب ألمحوا إلى أن هذه المنتجات قد تخضع لاحقًا لتعريفات إضافية.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت كندا والمكسيك -وهما من أبرز شركاء أمريكا التجاريين- ستظلان بمنأى عن هذه الإجراءات التصعيدية.

 

محللون: السياسة التجارية الأمريكية "بلا تفاوض"

قال تايلر شيبر، أستاذ الاقتصاد بجامعة سانت توماس: "لا أرى أن هذه القائمة تمثل موقفًا تفاوضيًا. إنها شاملة وكبيرة، وتشير إلى أننا نبني جدرانًا لا نخطط لإزالتها".

وبدأت الجولة الأولى من الرسوم الجمركية في 5 أبريل، وتبعتها تعريفات إضافية منتصف الأسبوع الماضي. وشملت فرض 10% على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى رسوم أعلى استهدفت خمسين دولة وصفها البيت الأبيض بأنها "الأكثر مخالفة" لقواعد التجارة.

إلا أن ما سُمي بـ"الرسوم التبادلية" جاء مخالفًا للواقع الاقتصادي، مما زاد من تعقيد المشهد وساهم في مفاقمة الآثار السلبية.

وبلغت بعض الرسوم الإضافية أكثر من 45%، وتم احتسابها بطريقة مثيرة للجدل عبر قسمة عجز الميزان التجاري الثنائي على الصادرات السلعية.

 

اقتصاديون: السياسة تفتقر للمنطق

انتقد ماركوس نولاند، نائب رئيس معهد "بيترسون" للاقتصاد الدولي، الطريقة التي تم بها تصميم السياسات، قائلًا: "من الطبيعي أن يكون هناك عجز وفائض تجاري بين الدول. السعي لتوازن تام في كل علاقة تجارية يتجاهل المفهوم الأساسي للمزايا النسبية".

 

تأثيرات شديدة على الاقتصاد العالمي

اعتُبرت الإجراءات الأخيرة بمثابة صب الزيت على نار الاقتصاد العالمي، حيث دفع ذلك بعض كبار المسؤولين الماليين إلى التحذير من أن الركود بات أقرب مما كان متوقعًا.

وقال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورجان تشيس: "هذه الرسوم قد تؤدي بسرعة إلى نتائج سلبية داخل الولايات المتحدة نفسها".

ومن المرجح أن تؤدي هذه السياسات إلى ارتفاع معدلات التضخم ليس فقط للسلع المستوردة، بل داخل الأسواق الأمريكية بشكل عام.

وحذر ديمون من أن استمرار هذه الإجراءات سيؤثر على ثقة المستثمرين، وتدفقات رأس المال، وربحية الشركات، واستقرار الدولار الأمريكي.

وأضاف: "كلما تأخر حل هذه الأزمة، زادت الآثار التراكمية، وأصبح من الصعب عكسها".

بدوره، قال جو بروسويلاس، كبير الاقتصاديين في شركة RSM الأمريكية، إن هبوط الأسواق المالية الحاد يعكس أزمة ثقة حقيقية في الاقتصاد الأمريكي، ولا سيما في مكانة الدولار.

 

أفضل وأسوأ السيناريوهات في 12 شهرًا

وفقًا للمحللين، يتمثل أفضل سيناريو محتمل خلال الأشهر الـ12 المقبلة في: انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2%، وتراجع معدل التوظيف بنسبة 0.1%، وارتفاع معدل التضخم بنسبة 0.2%

أما أسوأ السيناريوهات، فهي: انخفاض الناتج المحلي بنسبة 1.3% (بعد أن كان ينمو بنسبة 2.4% نهاية 2024)، وخسارة 1.3 مليون وظيفة، وارتفاع التضخم بنسبة 1.3%

هل ستتوسع الإجراءات الانتقامية؟

تشير التوقعات إلى أن الإجراءات الانتقامية قد تتوسع، لا سيما إذا استمرت الإدارة الأمريكية في تطبيق المادة 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962، والتي تسمح بفرض الرسوم الجمركية لحماية الأمن القومي.

واستُثنيت بعض القطاعات من الحزمة الأخيرة، مثل الصلب، والألمنيوم، والسيارات، وهي قطاعات تخضع أصلًا لتعريفات. كما شملت الاستثناءات: النحاس، والأخشاب، والمنتجات الدوائية، وأشباه الموصلات، والمعادن الحيوية.