حذر اقتصاديون من تأخر حكومة السيسي في مواجهة حالة الفوضى التي أحدثتها رسوم ترامب على الأسواق والشركاء التجاريين لمصر، ما يؤدي إلى زيادة الواردات ودخول منتجات رخيصة سيئة الجودة، تزيد تعقيدات الاقتصاد المصري الذي يواجه ضغوطًا من تراجع عائدات قناة السويس بسبب الحرب على غزة، والاضطراب الاقتصادي وسلاسل الإمداد، بما يزيد من الضغوط على الجنيه، ومعدلات التضخم، والضغوط التنافسية على الصناعات المحلية.

 

تآكل القدرة التنافسية لصادرات الملابس المصرية

وبينت المديرة التنفيذية ومديرة البحوث في المركز المصري عبلة عبد اللطيف، في عرضها لدراسة حول التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ومصر والاتفاقيات الموقعة بين البلدين، تتضمن التبادل التجاري الحر في إطار اتفاقيتي "تيفا" (TIFA) و"كويز" (QIZ) المختصة بدخول منتجات مصرية ذات مكونات إسرائيلية، والصادرات غير النفطية تشمل 70 منتجا، تتصدرها الملابس الجاهزة بنسبة 45.6%، بقيمة 1.2 مليار دولار لعام 2024، وأخرى رئيسية منها الأسمدة والحديد والخضراوات والفواكه المعلبة والسجاد والفواكه والمكسرات ومواد البناء.

وأوضحت عبد اللطيف أن الاقتصاد المصري سيتأثر مثله مثل بقية اقتصادات الدول المصدرة لأميركا رغم وجود نسبة رسوم منخفضة في حدود 10%، ووجود مصر كلاعب صغير جدًا في حجم التجارة العالمي بنسبة لا تتخطى 0.26%. وأوضحت عبد اللطيف أن مصر تمتلك إمكانات تصديرية ضخمة غير مستغلة في السوق الأميركي، منها الأسمدة بنسبة 81% من الإمكانات المتاحة، والآلات بنسبة 98%، والفواكه، والبلاستيك، وتظل حصة الاقتصاد المصري في سوق الملابس الأميركي صغيرة جدًا مع وجود رسوم شبه صفرية، مما يشير إلى مشكلات تتعلق بالتنافسية تتجاوز مسألة الرسوم الأميركية. أوضحت عبد اللطيف أن فرض التعرفة الجديدة بنسبة 10% على مصر ستؤدي إلى تآكل القدرة التنافسية لصادرات الملابس الجاهزة المصرية، التي تحتل المرتبة الأولى بإجمالي الصادرات المصرية إلى السوق الأميركية، وقد تجعل استغلال الإمكانات التصديرية في القطاعات الأخرى أكثر صعوبة، وفقًا لـ"العربي الجديد".

وأشارت مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية، إلى نتائج دراسة أجراها المركز باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي إلى إمكانية زيادة نسب الصادرات بشكل كبير في قطاع الملابس الجاهزة وهو ما يمكن تطبيقه على كافة القطاعات، موضحة أنه إذا أجريت بعض الإصلاحات، لرفع كفاءة الموانئ وتقليل وقت الإفراج عن الواردات سيدفع ذلك إلى زيادة صادرات الملابس الجاهزة بنسبة 25%، كما أن تبسيط الإجراءات سيقلل وقت الإفراج الإجمالي بنسبة 62.8% ويعزز الصادرات بنسبة 21% فورا. ودعت عبد اللطيف الحكومة إلى ضرورة إصلاح منظومة دعم الصادرات مذكرة بأن تقليل تأخير صرف الدعم من قبل وزارة المالية للمصدرين من 14.7 شهرًا حاليا، إلى 15 يومًا يرفع الصادرات بنسبة تتراوح بين 3% و6% داعية إلى ميكنة عمليات الصرف لتتم خلال 15 يومًا والقضاء على تأخير صرف المستحقات للمصدرين، مع خفض تكاليف التخليص الجمركي وزيادة الشفافية، وتفعيل الدفع الإلكتروني، ومحاربة الرسوم غير الرسمية (الإكراميات والرشاوى تحت الطاولة)، وتوحيد التقييم الجمركي، وتحسين مناخ الاستثمار بشكل عام.

 

القشة التي قصمت ظهر البعير

وأوضح محمد قاسم رئيس جمعية المصدرين المصريين "إكسبولينك" (Expolink) أن حالة الاضطراب التي فرضها ترامب كانت من الأمور المتوقعة، وتعكس تحالف اليمين الأميركي من ذوي البشرة البيضاء العنصريين، الذين يرفعون شعار "أميركا أولًا" لمحاربة الأعراق الملونة وذوي الأصول غير الأوروبية، وامتد تأثيرهم في فترة الرئاسة الثانية لترامب، بدعم من كتلة تصويتية كبيرة، ومراكز بحثية شديدة التطرف، منها معهد "هيريتدج" للسياسات التي زودت ترامب بدراسات دقيقة، وخطة متكاملة، تمكنه من شن حرب تجارية واسعة ضد الدول الأخرى، بما يضمن هيمنة الولايات المتحدة على حركة التجارة الدولية، وإعادتها كمركز تصنيع للعالم، وانهاء دور منظمة التجارة العالمية، التي تحملت منذ ميلادها عام 1995، ضبط قواعد التجارة الدولية، بموجب اتفاقيات "الغات" و"غاتس" للتجارة في الخدمات.

وأشار قاسم إلى تركيز الحكومة على رصد العجز في الميزان التجاري فقط، دون الأخذ في الاعتبار الجوانب الأخرى مثل ميزان المدفوعات والخدمات التي كانت تعمل على ضبط الميزان التجاري مع واشنطن في سنوات سابقة داعيا الولايات المتحدة إلى أن لا تقتصر نظرتها على العجز التجاري فقط، بل يجب أن تأخذ في الاعتبار ميزان المدفوعات بشكل عام، حيث تمتلك الولايات المتحدة فائضًا كبيرًا في ميزان المعاملات غير المنظورة، نتيجة للخدمات التي تقدمها في الأسواق العالمية".

ووصف قاسم ما يدور بالأسواق الدولية، بأنه يعكس حالة الانهيار للنظام العالمي كما عرفناه خلال السبعين عامًا الماضية، مشيرًا إلى أن ما فعله ترامب في يوم التحرير يمثل "القشة التي قصمت ظهر البعير" في النظام التجاري العالمي مضيفًا أن "ما يحدث على السطح قد يبدو ضوضاء، لكن القوى الرئيسية التي تعمل تحت السطح هي التي ستستمر في التأثير على الاقتصاد العالمي.

 

استثمارات جديدة

وذكر رئيس جهاز التمثيل التجاري بوزارة التجارة والاستثمار يحيى الواثق بالله أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عدد من المنتجات الأجنبية ستكون لها تأثيرات مباشرة على صادرات الاقتصاد المصري إلى السوق الأميركي، مستدركا أن هذ التعرف قد يفتح فرصا جديدة لدول مثل مصر لاستقطاب الاستثمارات من دول أخرى.

وأوضح "الواثق بالله" أنه وفقًا لإجراءات ترامب فإن صادرات الاقتصاد المصري التي لا تتمتع بأي معاملة تفضيلية ستخضع لرسوم جمركية تبلغ 10%، وكذلك الصادرات المحلية الخاصعة لاتفاقية "الكويز" التي تساهم الصناعات الإسرائيلية بمكوناتها بنسبة 10.5%، بينما ترتفع في منتجات الحديد والألومنيوم إلى 25% المطبقة من قبل الولايات المتحدة على كافة الدول.

كشف "الواثق بالله" الذي كلف منذ يومين بإدارة التمثيل التجاري في واشنطن بأنه أجرى اتصالات مع عدد من المسؤولين الأميركيين الجمعة الماضية، لإزالة بعض المعوقات التجارية غير الجمركية التي تراها الولايات المتحدة موجودة في مصر، بما يرفع الرسوم الجديدة عن المنتجات المصرية، والتي تخص المنتجات الزراعية مثل تقاوي البطاطس أو اصدار شهادات "الحلال" والشحن الجوي منوها إلى بحث المطالب الأميركية المتعلقة بالقيود على نقل البيانات من مراكز البيانات الرئيسية إلى الخارج، وفقا لمقتضيات الأمن القومي وعدم تأثير تلك الإجراءات على خفض الحصيلة الجمركية.

وشدد الواثق بالله على أن الحكومة المصرية والقطاع الخاص يجب أن يتحركا بسرعة لاستغلال هذه الفرص، والعمل على تحسين البيئة الاستثمارية وتعزيز قدرات الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد على المنتجات المصرية، قائلا: "هذه فرصة تاريخية لمصر، ونحن حاليًا بصدد التفاوض مع وفود صينية لترتيب استثمارات جديدة في الاقتصاد المصري خلال إبريل الحالي ومايو المقبل، لتحقيق استثمارات إضافية عن المعتادة حاليًا في حدود 10 مليارات دولار، تتراوح بين 10 و15 مليار دولار في السنوات الثلاث القادمة.

وردًا على سؤال حول خفض المكون الإسرائيلي في اتفاقية "كويز" والذي تصل نسبته إلى 10.5% حاليًا، أشار الواثق بالله إلى أن مصر بدأت مفاوضات حول هذا الموضوع منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن هذه المفاوضات توقفت بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة.

 

تحسين مناخ الاستثمار

من جانبه، قال طارق توفيق نائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية ورئيس غرفة التجارة الأميركية، إن السياسات الاقتصادية التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغم عدم ظهور أهدافها تمامًا، تتسم بـ"عدم الوضوح" و"الضبابية"، مؤكدًا أن ما يتم تنفيذه في الاقتصاد المصري ليس مجرد خطوات عشوائية، بل هو "برنامج ممنهج" فرض حالة من التوتر الجيوسياسي والاقتصادي. وذكر "توفيق" أن أميركا لا تزال أكبر مستفيد من النظام الاقتصادي العالمي، إذ يسيطر الدولار الأميركي على 80% من العملات المتداولة عالميًا، و60% من الاحتياطات العالمية، مما يعكس القوة الاقتصادية الكبيرة للولايات المتحدة، مشيرا إلى أن المواطن الأميركي لن يقبل العمل في الوظائف البسيطة، التي يريد ترامب إعادتها داخل الولايات المتحدة، التي دفعتهم من قبل إلى توظيف الدول الأخرى لإنتاج السلع اليومية بما يضمن للاقتصاد الأميركي أدنى معدلات تضخم وأعلى مستوى توظيف.

ويرى رئيس مجلس إدارة المركز المصري للدراسات الاقتصادية عمر مهنا أن الأزمات العالمية رغم تحدياتها، يمكن أن تخلق فرصًا جديدة للاقتصاد المصري إذا تم التعامل معها بحكمة وسرعة، داعيا الحكومة إلى التحرك الفوري لتحسين مناخ الاستثمار، مشددًا على أن خروج الأموال الساخنة من الاقتصاد المصري خلال هذه الأزمة، قد يكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد، بما يعطي الدولة الفرصة لإعادة التفكير في استراتيجياتها المالية.