تقدّم محامون عن منظمات حقوقية بارزة بتقرير شامل إلى وحدة مكافحة الإرهاب في شرطة العاصمة لندن، مطالبين بفتح تحقيق فوري واعتقال عشرة مواطنين بريطانيين يُشتبه في مشاركتهم في القتال إلى جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على قطاع غزة، وارتكابهم ما وُصف بـ"جرائم إبادة جماعية" بحق المدنيين الفلسطينيين.
التقرير، الذي اعتُبر الأول من نوعه في المملكة المتحدة من حيث المضمون والحجم، جرى إعداده نيابةً عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز قانون المصلحة العامة، وهما منظمتان تعملان على توثيق الانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني وتمثيل الضحايا قانونيًا أمام المحاكم الدولية والبريطانية.
ستة أشهر من التوثيق... و260 صفحة من الأدلة
استغرق إعداد التقرير أكثر من ستة أشهر من العمل القانوني المكثف، وامتد على مدى 260 صفحة توثق انتهاكات حدثت في غزة بين أكتوبر 2023 ومايو 2024، وشمل شهادات حية، تقارير طبية، صوراً للأدلة الجنائية، وتحليلات قانونية مفصلة تتعلق بانتهاك القانون الدولي الإنساني.
قاد الفريق القانوني المحامي الشهير مايكل مانسفيلد، أحد أبرز محامي حقوق الإنسان في بريطانيا، إلى جانب فريق من المحامين والخبراء المتخصصين في جرائم الحرب.
لحظة فارقة في تاريخ العدالة البريطانية
خلال مؤتمر صحفي عُقد أمام مقر الشرطة البريطانية في "نيو سكوتلاند يارد"، وصف مانسفيلد تقديم التقرير بأنه لحظة تاريخية، قائلًا:
"بالنسبة لي شخصيًا، إنها لحظة فارقة. المملكة المتحدة لعبت دورًا مركزيًا في تأسيس نظام عالمي قائم على القانون والمحاسبة بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها اليوم تبتعد شيئًا فشيئًا عن هذا الإرث".
وأضاف أن انهيار المبادئ التي تأسس عليها النظام القانوني الدولي بات واضحًا، وأن بعض الدول أصبحت تتصرف وكأنها بمنأى عن المساءلة، مؤكدًا أن بريطانيا كانت في الماضي في طليعة من حاسبوا مجرمي الحرب، ويجب أن تستعيد هذا الدور الأخلاقي والقانوني.
دعم قانوني واسع... ونداء للعدالة
وقّع على رسالة دعم مرفقة بالتقرير 70 خبيرًا قانونيًا وحقوقيًا، دعوا جميعًا إلى التعامل الجدي مع هذه المزاعم، وفتح تحقيق شامل، وعدم التهاون مع أي متورط في ارتكاب أو التستر على جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
التقرير لم يكتف بتوثيق الجرائم فحسب، بل طالب الشرطة البريطانية بتفعيل وحدة جرائم الحرب الخاصة بها، ومباشرة التحقيقات، وإصدار مذكرات توقيف عند الضرورة، خاصة أن المتهمين يحملون الجنسية البريطانية ويخضعون للولاية القضائية البريطانية.
تسليط الضوء على السياسات البريطانية تجاه إسرائيل
في كلمته، أشار مانسفيلد إلى أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو احتلال غير قانوني منذ 58 عامًا بحسب قرارات محكمة العدل الدولية.
كما ذكّر بحكم المحكمة عام 2004 الذي وصف جدار الفصل العنصري بأنه غير قانوني، داعيًا الحكومة البريطانية لمراجعة علاقاتها العسكرية مع إسرائيل، خاصة في ما يتعلق بصفقات بيع الأسلحة.
وقال مانسفيلد: "الجميع يتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية في حماية الأرواح والحرية، حتى لو كانت على بعد آلاف الكيلومترات.
على الحكومة البريطانية أن تجيب على أسئلة واضحة: لماذا لا تزال تبيع الأسلحة لدولة متهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؟".