ماذا بعد رمضان؟
الجمعة 11 أبريل 2025 12:00 م
لئن كان شهر رمضان المبارك قد انتهى، فإن عمل المسلم لا ينتهي إلا بمفارقة روحه بدنه، قال عز وجل لنبيه ﷺ : {و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين} وقال سبحانه عن عيسى عليه السلام: {وأوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيًا} .
وذُكر لبعض السلف أن أناسًا يجتهدون في رمضان، ثم يتركون ذلك بعده، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله تعالى إلا في رمضان!!
فلئن كان صيام الفرض في رمضان قد انقضى زمنه، فقد شرع الله تعالى للسابقين بالخيرات أيامًا تصام طوال العام، أولها صيام الست من شوال، ففي صحيح مسلم: من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: أن النبي ﷺ قال: ”من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر".
وصيام الاثنين والخميس ، كما في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ”تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم” (رواه الترمذي).
أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر، والأولى والأحسن أن تكون أيام البيض وهي: الثالث عشر و الرابع عشر والخامس عشر من الشهر العربي، لحديث أبي ذر قال : قال رسول الله ﷺ: “يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة” (رواه الترمذي والنسائي).
أو صام ثلاثة أيام من أي الشهر، لحديث أبي هريرة: أوصاني خليلي ﷺ بثلاث… وأن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر".
وصيام شهر الله الحرام، ففي صحيح مسلم : عن أبي هريرة أن النبي ﷺ سئل: أي الصيام أفضلُ بعد شهر رمضان؟ قال: ”أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم” .
وصيام يوم عرفة، فإنه يكفر سنتين: ماضية وباقية، كما في صحيح مسلم.
وصيام عاشوراء يكفر سنة ماضية، وغيرها من التطوعات.
ولئن كان قيام رمضان قد انتهى، فإن قيام الليل هو دأب الصالحين الأخيار دائمًا، كما قال ﷺ : «عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربةٌ إلى الله تعالى ومنهاةٌ عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد» (رواه أحمد والترمذي والحاكم عن بلال رضي الله عنه).
وقوله تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون} (السجدة).
وقوله: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا. والذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا} ( الفرقان: 63 -65) .
وقوله تعالى: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون} (الذاريات : 17 -18) ليس خاصًا برمضان، بل هي سمةٌ من سماتهم، وصفة من صفاتهم.
ولما ذُكر عبد الله بن عمر للنبي ﷺ قال:" نِعْمَ الرجل عبد الله، لو كان يقوم من الليل، فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً" (رواه البخاري).
وقال: لا تكن مثل فلان! كان يقوم الليل فتركه.
وهذا يدل على أن ترك قيام شيء من الليل نقص في إيمان الرجل وعمله، وقيام الليل يتحقق ولو بركعتين بعد العشاء ثم يوتر بركعة، وأفضله بعد شطر الليل أو في ثلثه الأخير.
وعبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: إن النبي ﷺ قال : «أيها الناس أفشوا السلام، و أطعموا الطعام، و صلوا الأرحام، وصلّوا بالليل و الناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (رواه الترمذي).
وكان نبينا ﷺ يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، وفي رواية: ساقاه، (رواهما البخاري).
ولئن كان رمضان هو شهر القرآن الذي أنزل فيه، ويكثر فيه المسلمون من قراءته وسماعه في أيامه ولياليه، فإن المؤمن لا يهجر كتاب الله تعالى في غير رمضان، بل هو كتابه الأول يتلوه ليلاً و نهارًا، سرًا و جهارًا، سفرًا وحضرًا، لا يفارقه أبدًا، قال عز وجل: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به} (البقرة: 121)، وقال سبحانه: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرًا وعلانية يرجون تجارة لن تبور} (فاطر: 29).
وقد أثنى الله تعالى على طائفة من أهل الكتاب بقوله: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} (آل عمران: 113).
وقد أوصى النبي ﷺ بالمحافظة على قراءته ومعاهدة حفظه، فقال: «تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشدُّ تفصيًا من الإبل في عقلها» متفق عليه.
ولئن كان رمضان هو شهر الزكاة لأكثر المسلمين، فإن إنفاق المنفقين الخيرين لا ينقضي ولا ينتهي، بل هو مستمر دائم، كما قال الله عز وجل: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (البقرة : 274).
وقال: {والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل و المحروم} (المعارج : 25-26).
وهذا يدل على دوام إنفاقهم في كل وقت وحين، وليس خاصًا بزمن دون زمن.
لأن الفقراء والمساكين حاجاتهم مستمرة، فلا يغفل عنهم المسلم بقية السنة.
وكان النبي ﷺ أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، لكن هو ﷺ كان أجود الناس دومًا، بل كما وصفه أصحابه أنه ما سئل شيئاً قط فقال: لا.
وجوده كان بكل أنواع الجود، بالمال وبالعلم وبالبدن وبالجاه.
ولئن كان شهر رمضان هو شهر إطعام الطعام للفقراء والأقرباء والجيران، فينبغي أن يدوم ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر رضي الله عنه: «يا أبا ذر، إذا طبخ أحدكم قدرًا فليكثر مرقها، ثم ليناول جاره منها» رواه الطبراني في الصغير.
والمسلم الحق من يخاف من عدم قبول الأعمال، قال تعالى {إنما يتقبل الله من المتقين} (المائدة : 27).
وكان السلف يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، وهؤلاء الذين قال الله فيهم {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} (المؤمنون : 60).
وهذا من حذرهم أن يكون العمل فيه دغل، كأن يكون لغير الله تعالى، أو يكون فيه خلل أو نقص يوجب فساده.
ويروى عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: ياليت شعري! من هذا المقبول فنهنيه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه؟!
ولا بد من العلم أن تكفير السيئات في رمضان، مشروط بترك الكبائر من الذنوب، كما قال عليه الصلاة والسلام: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر” (رواه مسلم).
فاللهم نسألك دوام فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.. يا سميع الدعاء.