في مؤتمر صحفي مع العاهل الأردني الملك عبد الله في فبراير، طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب اقتراحًا مثيرًا للجدل يقضي بأن تسيطر الولايات المتحدة على غزة، وتفرغها من سكانها البالغ عددهم حوالي مليوني شخص، وتحولها إلى وجهة سياحية، "ريفييرا الشرق الأوسط".
ولكن هذا الطرح قوبل برفض عربي واسع، إذ اعتُبر نوعًا من التطهير العرقي.
في مواجهة هذا الاقتراح، أشار الملك عبد الله إلى أنه ينتظر خطة بديلة من مصر، التي كشفت في الرابع من مارس عن رؤيتها لإعادة إعمار غزة مع التأكيد على بقاء الفلسطينيين في أرضهم.
تتمثل الخطة المصرية في إعادة تطوير البنية التحتية وإنشاء وحدات سكنية لـ 1.6 مليون شخص، بالإضافة إلى بناء ميناء تجاري ومركز تكنولوجي ومناطق صناعية وفنادق على الشاطئ ومطار بميزانية تقدر بحوالي 53 مليار دولار.
وقد حظيت هذه المبادرة بتأييد الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، كما وصفها وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة بأنها "واقعية".
ولكن الاحتلال الصهيوني، الذي تسعى حكومته اليمينية المتطرفة إلى تهجير سكان غزة، رفضتها على الفور، بينما أظهرت واشنطن مواقف متباينة، إذ اعتبرها ترامب غير قابلة للتطبيق في البداية، قبل أن يصفها مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بأنها "خطوة أولى بنوايا حسنة".
دور مصر في طرح هذه الخطة يمثل محاولة لاستعادة مكانتها الإقليمية التي تراجعت منذ توقيعها اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، والتي أنهت الحرب مع الاحتلال الصهيوني ولكنها أدت إلى عزلة مصر عربيًا واعتمادها الاقتصادي على الولايات المتحدة.
فمنذ توقيع الاتفاقية وحتى عام 2022، تلقت مصر أكثر من 50 مليار دولار كمساعدات عسكرية و30 مليار دولار كمساعدات اقتصادية من واشنطن.
لكن هذا الدعم لم يمنحها استقلالًا اقتصاديًا حقيقيًا، بل عمّق اعتمادها على الديون الخارجية، التي ارتفعت من 40 مليار دولار عام 2014 إلى أكثر من 160 مليار دولار عام 2022.
ومع تدهور اقتصادها نتيجة جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، أصبحت مصر ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين.
إلى جانب الاعتبارات الاقتصادية، تدرك القيادة المصرية حساسية القضية الفلسطينية وتأثيرها على الاستقرار الداخلي. فالإدارات العسكرية المصرية لطالما كانت متوجسة من الحركات الإسلامية.
وكان عبد الفتاح السيسي قد وصل إلى السلطة بعد الانقلاب على رئيس ينتمي إلى الإخوان المسلمين؛ وبالتالي لا يتعاطف مع حماس، لكنه يدرك خطورة إهمال القضية الفلسطينية.
فالتجاهل المصري لمطالب الفلسطينيين كان أحد الأسباب التي أدت إلى اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، وهو الحدث الذي رحبت به العديد من الدول الإسلامية آنذاك.
عند صياغة خطتها لغزة، سعت مصر إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
أولًا، التصدي لمحاولة ترامب تحويل مستقبل غزة إلى مجرد مشروع عقاري.
ثانيًا، إثبات إمكانية تحقيق تسوية سياسية تحافظ على طموحات الفلسطينيين في الدولة.
وثالثًا، تأمين تدفقات مالية جديدة لدعم اقتصادها المتعثر.
ولتحقيق ذلك، تحتاج مصر إلى تعبئة دعم دولي وإقليمي واسع، يشمل دولًا ذات مصالح متباينة مثل الصين والسعودية وتركيا.
فالسيسي، الذي أشرف على مشروعات ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، يسعى إلى توظيف خبراته في إعادة إعمار غزة وجذب الاستثمارات إليها.
لكن القاهرة تدرك أيضًا أن أي تحرك منفرد سيعيدها إلى عزلة كامب ديفيد.
ولهذا السبب، حرصت على إشراك أطراف عربية أخرى، حيث تبنت الجامعة العربية الخطة بوصفها "خطة عربية" وليست مصرية فقط.
كما حصلت على دعم منظمة التعاون الإسلامي، التي دعت المجتمع الدولي إلى تقديم التمويل اللازم لتنفيذها.
الموقف الصهيوني يشكل العقبة الأبرز أمام نجاح الخطة.
فحكومة الاحتلال ترفض تقديم أي تعويضات أو المساهمة في إعادة إعمار غزة، لكنها قد تجد نفسها مضطرة لتقديم تنازلات سياسية تحت ضغط الدول العربية والغربية الداعمة للمبادرة المصرية.
فحتى ترامب، رغم دعمه المطلق للاحتلال الصهيوني، قد يضطر إلى الموازنة بين دعمه لنتنياهو وسعيه إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول العربية، خاصة تلك التي وقّعت اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال الصهيوني في إطار اتفاقيات أبراهام.
تمويل الخطة يظل تحديًا آخر، لكن مصر قد تستغله لتقليل اعتمادها على المساعدات الأميركية. فدول الخليج ستلعب دورًا محوريًا في التمويل، ومصر قد تحصل على حصة من هذه الأموال مقابل دورها كمقاول رئيسي للمشروع.
كما أن هناك مقترحات بإعفاء مصر من جزء من ديونها الخارجية مقابل مشاركتها في إدارة غزة.
علاوة على ذلك، تعزز الصين نفوذها في مصر، حيث زار السيسي بكين أكثر من أي عاصمة أخرى، وأعلنت الدولتان عام 2024 "عام الشراكة المصرية الصينية"، مما قد يفتح المجال أمام استثمارات صينية في إعادة إعمار غزة.
مصر، التي كانت أول دولة عربية توقّع اتفاق سلام مع الاحتلال الصهيوني، تسعى اليوم إلى استعادة دورها القيادي في المنطقة من خلال تقديم رؤية بديلة لمستقبل غزة.
والآن، الكرة في ملعب سلطات الاحتلال الصهيوني، فإما أن تواصل سياستها التوسعية التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى، أو تقبل بدور مصر كوسيط لتحقيق حل دائم ومستدام لغزة والمنطقة.
https://www.foreignaffairs.com/egypt/promise-egyptian-plan-gaza