قالت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إن المشاهد العظيمة لعملية التسليم، ورسائل المقاومة حول اليوم التالي، تؤكد أن يد شعبنا ومقاومته ستبقى العليا، وأن اليوم التالي هو يومٌ فلسطينيٌّ بامتياز، يقربنا أكثر من العودة والحرية وتقرير المصير.

وأفرجت كتائب “القسام” في غزة اليوم عن عدد من أسرى الاحتلال لديها، مقابل تحرير دفعة جديدة من الأسرى في سجون الاحتلال، ضمن إطار صفقة “طوفان الأقصى”.

وأعلنت كتائب القسام أن الأسرى الذين سلمتهم هم: إلياهو داتسون شرعبي، أور أبراهام ليفي، وأوهاد بن عامي. وفي المقابل، أفرجت سلطات الاحتلال عن 183 أسيرًا فلسطينيًّا من سجونها، بينهم 18 محكومًا بالسجن المؤبد.

وأضافت الحركة في بيان صحفي يوم السبت، “أن شعبنا الفلسطيني أكد التفافه حول المقاومة وتحدي الاحتلال، ورفضه لكل مشاريع ترامب بالتهجير والاحتلال، وعزمه الراسخ على إفشالها”.

وشددت على أن “النصر المطلق، الذي بحث عنه المجرم نتنياهو وجيشه طيلة 471 يومًا أوهامٌ تحَطَّمت على أرض غزَّة العزَّة للأبد”.

كما أكدت أن “الشعب الفلسطيني وجّه بصموده الأسطوري؛ رسالةً واضحة للعالم أجمع، أنه ثابتٌ على أرضه، متمسّكٌ بمقاومته، مصرُّ على المضيّ في طريقه حتى الحرية وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس”.

ولفتت إلى أن المقاومة التزمت بالقيم الإنسانية وأحكام القانون الدولي الإنساني في تعاملها مع الأسرى، وبذلت جهدًا كبيرًا للحفاظ على حياتهم رغم القصف الاسرائيلي ومحاولات مجرم الحرب بنيامين نتنياهو استهدافهم وتصفيتهم.

 

دلالات سياسية وعسكرية لعملية التسليم

تمت عملية التسليم في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها المنطقة الوسطى مثل هذا الحدث. وقد جاءت العملية بعد تعرض المدينة لقصف عنيف وعشرات المجازر خلال حرب الإبادة منذ 7 أكتوبر 2023.

وشهدت ساحة التسليم انتشارًا مكثفًا لمقاومي كتائب القسام من تشكيلات عسكرية مختلفة، في مشهد يعكس قوة التنظيم والانضباط الميداني. كما زُينت المنصة بلافتة كبيرة حملت عبارة: “نحن الطوفان.. نحن اليوم التالي”، بثلاث لغات (العربية، العبرية، والإنجليزية)، إلى جانب صورة للعلم الفلسطيني وقبضة يد مرفوعة، في صورة تثبت فشل سيناريوهات الاحتلال لليوم الثالث.

 

رمزية الحدث وتأمين محكم

وثقت مقاطع مصورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مشاركة مقاتلين مصابين من كتائب القسام في مراسم التسليم، في مشهد يعكس صمود المقاومة رغم شراسة العدوان. كما انتشرت جيبات بيضاء صغيرة تقل مسلحين من كتائب القسام لتأمين عملية التسليم، مما يعكس تنظيمًا أمنيًّا عالي المستوى.

وعلى المنصة، وُضعت صور لعدد من قادة حركة حماس الذين اغتالتهم قوات الاحتلال خلال الحرب، من بينهم صور رئيس الحركة إسماعيل هنية، ورئيس الحركة في غزة يحيى السنوار، والقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، ونائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري، إلى جانب القادة مروان عيسى، أيمن نوفل، غازي أبو طماعة، ورائد ثابت.

وفي لفتة رمزية قوية، تضمنت إحدى اللافتات صورة لرئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وهو يضع يده على خده داخل مثلث أحمر مقلوب، وهو الرمز الذي استخدمته المقاومة في فيديوهات استهداف الآليات العسكرية الإسرائيلية. إلى جانبه، ظهرت دبابات ومدرعات إسرائيلية مدمرة، تتوسطها عبارة “النصر المطلق” باللغة العبرية، في إشارة إلى فشل نتنياهو في تحقيق وعوده بالقضاء على المقاومة.

 

رسائل التسليم

في تعليقه على مشهد التسليم، قال الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم: نحن اليوم أمام محطة جديدة من إنجازات الشعب الفلسطيني في إجبار الاحتلال على مواصلة عمليات إطلاق سراح أسرانا الأبطال وكسر الخطوط الحمراء التي وضعها لنفسه.

وشدد على أن التسليم يحمل اليوم رسالة واضحة من كتائب القسام أن الشعب والمقاومة هم من يرسمون معالم اليوم التالي للعدوان وليس أي قوة خارجية.

وأضاف: تثبت كتائب القسام أن استشهاد قياداتها يزيدها إصرارًا على تحقيق أهدافها، واستمرار تماسكها والتفاف الجماهير من حولها كما يحدث اليوم في المنطقة الوسطى من قطاع غزة.

ومن رسائل التسليم اليوم -وفق قاسم- كشف الوهم الذي كان يروجه نتنياهو بتحقيق ما أسماه النصر المطلق على شعبنا ومقاومته، لافتا إلى مواصلة جماهير شعبنا احتضان المقاومة وأبنائها، لتثبت فشل كل محاولات الاحتلال الصهيوني المجرم بفصلها عنها.

وفي تعليقه على الحدث، قال المحلل السياسي سعيد زياد: “ضجّت إسرائيل وقامت ولم تقعد بسبب مشاهد أسراها بحالة صحية صعبة، فماذا سيكون حالها عندما تراهم غدًا قادمين لها في توابيت؟!”.

من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا أن مشهد التسليم حمل عدة رسائل واضحة، أبرزها أن التطورات الميدانية تفرض نفسها على الاحتلال، وأن المعركة لم تُحسم بعد. وأضاف: “ظهور أحد مقاتلي القسام مبتور القدم خلال عملية التسليم يجسد معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، ويعكس صمود المقاومة رغم التضحيات الكبيرة”.

تأتي عملية تسليم الأسرى الإسرائيليين في سياق معركة مستمرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، حيث تسعى حماس إلى تحقيق مكاسب سياسية وميدانية تعزز موقعها في أي مفاوضات مستقبلية. في المقابل، يواجه نتنياهو وحكومته ضغوطًا داخلية متزايدة، خاصة مع استمرار فشلهم في تحقيق “النصر المطلق” الذي وعدوا به منذ بداية الحرب. وبينما تتجه الأنظار إلى مستقبل الوضع في غزة، تبقى المقاومة رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية والعسكرية، ورسائلها تفرض نفسها بقوة على المشهد الإقليمي والدولي.