انتخب الامريكيون الثلاثاء 6 نوفمبر الجاري، دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة السابع والأربعين. وخلال حملته الانتخابية، وعد بإنهاء الحرب في الشرق الأوسط، مما ساعده في كسب دعم المسلمين الأميركيين والعرب الأميركيين.

لقد أدت الحروب المدمرة التي شنها الكيان الصيهوني على غزة ولبنان، إلى جانب الهجمات المتبادلة التي تنطوي على إيران، إلى جلب الشرق الأوسط إلى غضب واسع، وسط احتمال اندلاع صراع إقليمي شامل كارثي.

وعلى مدار العام الماضي، نزح ما يقرب من 2.3 مليون شخص من سكان غزة، في حين فر ما يقرب من ربع السكان اللبنانيين من منازلهم.
وتشير التقديرات إلى أن حصيلة الشهداء في غزة، بما في ذلك الوفيات المباشرة وغير المباشرة، قد تتجاوز في النهاية 186 ألف شخص.
لقد قُتل أو جُرح أكثر من 15 ألف لبناني، وسُوّيت معظم غزة بالأرض بالقنابل الصهيونية، مع تدمير المدارس والمستشفيات والمنازل السكنية، ومع ذلك، يدخل ترامب البيت الأبيض في وقت حيث كانت إيران على وشك تغيير عقيدة أمنها القومي.

منذ الثورة الإسلامية عام 1979، أدت ثلاثة أحداث إلى تحولات كبيرة في عقيدة الأمن القومي الإيراني.

الحدث الأول في الثمانينيات
أثناء الحرب بين إيران والعراق.  لقد تعرضت إيران للعقوبات وسط الدعم الإقليمي والدولي للمعتدي، العراق، حتى مع استخدام نظام صدام حسين للأسلحة الكيماوية.
دفعت هذه التجربة إيران نحو استراتيجية تُعرف باسم "الاعتماد على الذات الدفاعي"، والتي من خلالها أعطت الأولوية للإنتاج المحلي للمعدات العسكرية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية.

وعلاوة على ذلك، سعت إيران إلى فرض قوتها خارج حدودها لردع المعتدين المحتملين من خلال تهديد مصالحهم في المنطقة. ينبع دعم إيران لحركات مثل حزب الله وحماس والحوثيين في اليمن من تجارب الحرب التي استمرت ثماني سنوات، إلى جانب العقوبات والضغوط الغربية المستمرة، والتي يُنظر إليها في طهران على أنها تهدف إلى تغيير النظام.

جاء التحول التالي في عام 2018
بينما كانت إيران تمتثل بشكل كامل لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق وأعاد فرض العقوبات على إيران، باستخدام عقوبات ثانوية لإجبار شركاء طهران التجاريين الرئيسيين على فعل الشيء نفسه.

 وردًا على ذلك، وسعت إيران برنامجها النووي وأنتجت اليورانيوم المخصب إلى مستويات قريبة من مستويات الأسلحة؛ كما اتخذت خطوة كبيرة نحو إقامة علاقات سياسية واقتصادية أوسع مع قوى الكتلة الشرقية، بما في ذلك العضوية الكاملة في منظمة شنجهاي للتعاون ومجموعة البريكس.

تجاه الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، تبنت إيران سياسة "لا حرب ولا سلام"، حيث صرح المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي: "لن تكون هناك مفاوضات ولا حرب ... التفاوض مع أشخاص ينكثون بوعودهم، وينسحبون من التزاماتهم، ولا يلتزمون بأي شيء - فهم غير ملتزمين بالأخلاق والشرعية والاتفاقيات الدولية وأي شيء - أمر سخيف".

التحول الثالث والأخير يحدث اليوم
إن الدعم المطلق للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لحروب الكيان على غزة ولبنان، إلى جانب اغتيال كبار قادة حماس وحزب الله والحرس الثوري، يحفز تطوير عقيدة أمنية وطنية إيرانية منقحة محددة بستة عناصر.

العنصر الأول: أصبح حلف شمال الأطلسي عدوًا.
كما قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج مؤخراً: "إسرائيل" لا تقف وحدها". وبالتالي فإن استراتيجية إيران السابقة في الردع ضد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني قد تتحول إلى الردع ضد حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك أعضائه الأوروبيين.

العنصر الثاني: هو استحواذ إيران على الأسلحة النووية.
الردع النووي مدرج على أجندتها. في هذه المرحلة، أصبحت إيران دولة على عتبة نووية تواجه هجمات عسكرية مباشرة على أراضيها من قبل الاحتلال، بدعم من حلف شمال الأطلسي.
وقد أشار كمال خرازي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، مؤخراً إلى أن إيران قد تراجع عقيدتها النووية، بعد أن أظهر استطلاع للرأي في وقت سابق من هذا العام أن ما يقرب من 70٪ من الإيرانيين يوافقون على أن البلاد يجب أن تمتلك أسلحة نووية.

العنصر الثالث: ربما تتطلع إيران إلى ترقية محور المقاومة في أعقاب الاغتيالات المستهدفة التي ينفذها الصهاينة.
مع نجاحهم في التسلل إلى المستويات العليا من المؤسسات الأمنية الإيرانية، قد تقوم إيران والمجموعات التي تدعمها بإجراء إصلاحات جوهرية لهياكلها التنظيمية والأمنية والاتصالاتية.

في الواقع، فشلت الاغتيالات السابقة في هزيمة خصوم "إسرائيل"، وقد تؤدي الضربات الأخيرة ضد حماس وحزب الله إلى تغذية صعود جيل جديد من المقاومة.

وقال السفير الأمريكي السابق ريان كروكر، الذي قضى عقودًا في العمل على دبلوماسية الشرق الأوسط، لصحيفة بوليتيكو: "إذا اعتقدنا أن الضرر الذي لحق بقيادة حزب الله والقضاء على يحيى السنوار وقادة حماس الآخرين يترجم بطريقة ما إلى ديناميكية جديدة للسلام، وأننا نستطيع بطريقة ما تحويل ذلك إلى تسوية عالمية بعيدة النظر - فهذا هو الجنون".

العنصر الرابع: في عقيدة الأمن القومي الإيرانية المتطورة هو التحالف مع الشرق.
من المرجح أن يدفع الدعم العسكري من حلف شمال الأطلسي لتل أبيب، طهران إلى التفكير في تحالف عسكري طويل الأمد مع القوى الشرقية.
في حين أن التعاون العسكري الحالي بين روسيا وإيران أرسى الأساس لمثل هذه السياسة، فمن غير الواضح ما إذا كانت الصين أو الهند ستكونان شريكتين في المستقبل.

العنصر الخامس: هناك استحواذ إيران على أنظمة الدفاع الجوي.
تتمتع إيران بقدرات صاروخية هجومية قوية نسبياً، لكنها بحاجة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية ضد صواريخ الاحتلال وطائرات إف-35 المقاتلة.
إن استعداد روسيا لتزويد إيران بطائرات سوخوي سو-35 وأنظمة الدفاع الجوي إس-400 سيشير إلى ما إذا كانت علاقاتهما ستصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.

العنصر السادس: قد تتحول استراتيجية إيران السابقة "لا حرب ولا سلام" إلى "حرب وسلام".
وكما أشار وزير الخارجية عباس عراقجي مؤخراً: "الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تسعى إلى تصعيد التوتر والصراع والحرب، على الرغم من أنها مستعدة لأي موقف.
نحن مستعدون للحرب كما نحن مستعدون للسلام".
 

فرصة ترامب
   وبما أن استمرار المواجهة العسكرية بين الاحتلال وإيران، إلى جانب الهجمات الصهيونية المستمرة على لبنان وغزة، يهدد بحرب إقليمية واسعة النطاق، فإن الخاسرين الرئيسيين هم الولايات المتحدة وتل أبيب وإيران.
والدبلوماسية هي الخيار الوحيد لتجنب وضع لا يمكن السيطرة عليه في الشرق الأوسط.
عمليات القتل الجماعي والاغتيالات وتدمير البنية التحتية العامة لا يمكن أن تجلب السلام، بل إنها ستزيد من الكراهية والتطرف والعداء.

ولدى ترامب الفرصة لإنهاء الحروب الصهيونية ضد غزة ولبنان والحد من المواجهات العسكرية بين الكيان وإيران، فاحتواء الأزمة الحالية في الشرق الأوسط يتطلب وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال الصهيوني، ووقف الهجمات الصهيونية على لبنان وغزة، وتبادل الأسرى بين الاحتلال وحماس.
كما أن تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين من شأنه أن يشكل خطوة مهمة نحو أمن منطقة الشرق الأوسط.

في نهاية المطاف، يتطلب الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط إنهاء الأعمال العدائية المستمرة بين العالم الغربي وإيران. ولابد من بدء حوار شامل وجاد.
هذه المحادثات من شأنها أن تزيد من فرص ترامب في التوصل إلى صفقة كبرى مع إيران.

https://www.middleeasteye.net/opinion/israel-iran-trump-comeback-changing-national-security-doctrine-how