في خطوة أثارت جدلاً واسعًا، قامت حكومة الانقلاب المصرية مؤخرًا بتكثيف محاولاتها للحصول على تمويل دولي، عن طريق تقديم المقيمين والمهاجرين على أراضيها كلاجئين، بهدف الحصول على 10 مليارات دولار من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات الدولية.
ويرى معارضون أن هذه الخطوة تُعد استغلالاً للأزمة العالمية المتعلقة بالهجرة واللاجئين، وأنها تأتي ضمن سياسة "الابتزاز المالي" التي اتبعها النظام العسكري المصري في السنوات الأخيرة لجني الأموال من المجتمع الدولي، تحت ستار مساعدة "اللاجئين".
تضخيم الأعداد وادعاءات اللجوء
بحسب التقارير الصادرة، فإن حكومة الانقلاب بدأت بتضخيم أعداد "اللاجئين" المقيمين على أراضيها، حيث تضمنت الإحصائيات الأخيرة المهاجرين الاقتصاديين والمقيمين بشكل مؤقت وحتى العمالة الوافدة من دول عربية وأفريقية، باعتبارهم "لاجئين" بحاجة للدعم.
يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لإعادة تصنيف هؤلاء الأشخاص بشكل يتماشى مع أهداف النظام العسكري في الحصول على أموال الدعم الدولي، رغم أن العديد منهم لا تنطبق عليه شروط اللجوء كما يعرفها القانون الدولي.
ويرى مراقبون أن هذه السياسة الجديدة تتجاهل المعايير الحقيقية لقانون اللجوء الدولي، حيث تستخدم مصر أعداد المقيمين والمهاجرين كأداة للضغط على المجتمع الدولي لتقديم الدعم المالي. وتعتبر الحكومة أن مثل هذا التمويل من شأنه أن يخفف من الأعباء الاقتصادية في ظل الأزمة المالية الحادة التي تواجه البلاد، والتي باتت تتفاقم مع مرور الوقت.
الابتزاز المالي في سياق الأزمات الاقتصادية
تعاني مصر من أزمة اقتصادية خانقة، إذ ترتفع معدلات التضخم وتتدهور قيمة الجنيه بشكل مستمر، ما يجعل الوضع المعيشي للمواطنين صعبًا للغاية.
وفي ظل هذه الأزمة، يبدو أن النظام اختار توجيه جهوده لجمع الأموال من الخارج عبر وسائل قد يراها البعض "غير أخلاقية"، كاستغلال أزمة اللاجئين.
ويسعى النظام للحصول على دعم مالي قدره 10 مليارات دولار من أجل تحسين أوضاع "اللاجئين"، وهو مبلغ كبير يأمل أن يسهم في سد جزء من العجز المالي.
ولكن، يبدو أن هذه الخطوة تكشف عن افتقار النظام لاستراتيجية اقتصادية حقيقية، وتفضيله الاعتماد على المعونات الخارجية بدلًا من العمل على حل الأزمات الاقتصادية من الداخل، فالمبالغ التي يطالب بها النظام تحت ذريعة "رعاية اللاجئين" لن تُستخدم في تحسين أوضاع هؤلاء، بل ستذهب، حسب ما يرى مراقبون، لتمويل مشروعات أخرى، وربما لخدمة فئات نخبوية معينة.
انتقادات حقوقية ودولية
أثارت هذه الخطوة انتقادات واسعة من منظمات حقوقية محلية ودولية، التي أعربت عن قلقها من استغلال اللاجئين كأداة ضغط لجني الأموال.
فمنظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمات أخرى نددت بتضخيم أعداد اللاجئين، مؤكدة أن هذا النهج لا يساعد اللاجئين الحقيقيين ولا يحل مشكلاتهم، بل يجعلهم عرضة للاستغلال ويعكس افتقار النظام العسكري المصري لأدنى مقومات الشفافية.
كما تساءلت هذه المنظمات عن مدى جدية سلطات الانقلاب المصرية في تقديم الدعم الفعلي للاجئين الذين يعيشون في أوضاع متدنية، حيث تشير التقارير إلى أن العديد منهم يواجهون صعوبات في الحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، وأن أغلب الدعم المقدم يأتي من المنظمات غير الحكومية وليس من الحكومة المصرية.
دور المجتمع الدولي والمفوضية
إن هذا التلاعب بأرقام اللاجئين يضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ جديد في التعامل مع هذه القضية، حيث تتجه الدول المانحة والمنظمات الدولية إلى اتخاذ موقف حذر تجاه تقديم الدعم المالي المباشر للنظام العسكري بمصر.
فالحصول على تمويل بمبلغ 10 مليارات دولار يستدعي ضمانات صارمة حول كيفية توجيه هذا الدعم وتحديد الفئات المستحقة بشكل شفاف وعادل، مع تقديم تأكيدات أن الأموال ستُستخدم بالفعل لدعم اللاجئين الفعليين.
وتواجه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بدورها معضلة في التعامل مع الطلب المصري، إذ تخشى المفوضية من أن يؤدي هذا الدعم إلى تفاقم استغلال اللاجئين والمهاجرين كأداة للحصول على التمويل.
ورغم أن المفوضية تحرص على تقديم المساعدة للاجئين أينما كانوا، إلا أنها مطالبة بالتأكد من استخدام الأموال بشكل يخدم الفئات التي تستحق الدعم فعليًا.
ختاما؛ يبدو أن هذه الخطوة الجديدة تضع النظام العسكري المصري في مواجهة انتقادات واسعة، حيث يُتهم باستغلال اللاجئين والمهاجرين كوسيلة للحصول على الأموال تحت ستار تقديم الدعم.
وفي ظل استمرار الأزمة الاقتصادية، قد تشهد مصر المزيد من هذه السياسات التي تهدف إلى جمع الأموال بأي ثمن، دون أن تلتزم بتطوير حلول مستدامة لأزماتها الداخلية.
إن تلاعب النظام العسكري بأعداد اللاجئين يظهر بشكل جلي افتقاره لاستراتيجية اقتصادية تقوم على التنمية الحقيقية، وبدلًا من استغلال أزمة اللاجئين لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، ينبغي عليه توجيه جهوده نحو تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وحل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة من جذورها.