في ظل التدهور الاقتصادي المستمر، يشهد القطاع الصناعي في مصر أزمات حادة تتصاعد بشكل يومي، حيث يواجه المصنعون تحديات غير مسبوقة تقود آلاف الشركات إلى حافة الإغلاق. تراجع قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، ووقف الاستيراد، والنقص الحاد في المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، جعل العديد من المصانع تتوقف تماماً، حيث تتحدث التقارير الرسمية عن تعثر أكثر من 8,000 مصنع وشركة حتى الآن. أزمة التمويل وتأثيرها على القطاع الصناعي يعد نقص التمويل من أبرز الأسباب التي تفاقم أزمة الصناعة. العديد من رواد الأعمال وأصحاب المصانع الصغيرة والمتوسطة يجدون صعوبة في الوصول إلى التمويل الضروري، سواء لتوسيع نشاطهم أو لتلبية احتياجاتهم التشغيلية اليومية. فالخوف من عدم السداد دفع المؤسسات المالية إلى فرض قيود صارمة على القروض، مما زاد من صعوبة استمرار الشركات. هذا الحذر البنكي مرتبط بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد، مما يضع الشركات الصغيرة والمتوسطة في موقف حرج بلا خيارات للتمويل. التعويم وتبعاته على الصناعة تحرير سعر الصرف "التعويم" جاء في محاولة لتحفيز الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، لكن نتائجه على الصناعة كانت عكسية، إذ تضاعفت تكلفة المواد الخام المستوردة بشكل كبير. هذا الارتفاع الهائل في التكاليف التشغيلية أثر سلباً على قدرة الشركات على المنافسة، ودفع بعضها للتقليص أو الإغلاق بسبب عدم قدرتها على التأقلم مع أسعار الصرف المتقلبة. ارتفاع تكلفة الدولار بالتحديد انعكس على أسعار المواد الخام، مما أدى إلى زيادة النفقات وتآكل الأرباح. التأثير الأوسع للأزمات الاقتصادية لم تتوقف التأثيرات عند حدود الصناعة؛ فالتضخم المرتفع ونسب البطالة المتزايدة أثرا على الطلب المحلي بشكل كبير. مع تراجع القوة الشرائية للمواطنين، انخفض الطلب على المنتجات، مما اضطر الشركات إلى تقليص الإنتاج أو حتى التوقف الكامل عن العمل. في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة وضعف الإنفاق الاستهلاكي، تجد المصانع نفسها في وضع مالي صعب يُفاقم من هشاشتها ويهدد استمراريتها. التحديات الإدارية والبروقراطية المعقدة إلى جانب نقص التمويل، تعاني الشركات من إدارة غير كفوءة ونقص في الخبرات الإدارية، مما يساهم في زيادة تكلفة الإنتاج ويضعف القدرة التنافسية. إضافة إلى ذلك، تتسبب التشريعات القديمة والإجراءات البيروقراطية المعقدة في زيادة تكاليف العمليات الإدارية وتعطيل العديد من الشركات عن تحسين كفاءتها أو التوسع، مما يزيد من الضغط المالي ويثقل كاهل القطاع. التداعيات الاجتماعية والاقتصادية انعكست هذه الأزمات بوضوح على المجتمع؛ فإغلاق آلاف المصانع أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الأعباء الاقتصادية على الأسر. مع تراجع الإنتاج المحلي، تقلصت الصادرات، مما يؤثر سلباً على الميزان التجاري المصري ويزيد من الأعباء المالية على الدولة. إن استمرار هذه السياسات دون حلول واضحة يعمق الجراح الاقتصادية والاجتماعية، وينذر بالقضاء على ما تبقى من القطاع الصناعي المصري. ختامًا، إن استمرار هذه السياسات الاقتصادية التي تتجاهل احتياجات الصناعة واستقرارها يهدد مستقبل الاقتصاد الوطني برمته. إلى متى سيستمر الصمت على هذه القرارات التي تقود إلى تدمير الاقتصاد المصري؟