قبل أشهر قليلة من انطلاق ماراثون الانتخابات البرلمانية، بدأت ملامح انقسام غير مسبوق تطفو على سطح المشهد السياسي، ليس بين المعارضة والنظام، بل داخل معسكر الأحزاب الموالية لعبدالفتاح السيسي ذاتها، التي باتت تتصارع على النفوذ والمقاعد، وسط غموض قانوني وتنظيمي بشأن شكل الاستحقاق التشريعي المقبل.

في قلب هذا الصراع، برز حزب "مستقبل وطن" بوصفه الحزب الأوفر حظاً والمسيطر على الأغلبية البرلمانية الحالية، في مواجهة "الجبهة الوطنية"، الحزب الوليد الذي يسعى لحجز مقعده في المشهد بقوة، مدعوماً بوجوه سياسية وبرلمانية سابقة.

لكن هذا التنافس لم يبقَ في الكواليس. فقد فجّر عماد الدين حسين، عضو مجلس الشيوخ والقيادي بحزب "الجبهة الوطنية"، موجة من الجدل السياسي بعد انتقاده اللاذع لحالة الخمول التي تعانيها الحياة الحزبية، في مقال نُشر له بجريدة الشروق، حمّل فيه حزب "مستقبل وطن" مسؤولية هذا الجمود.

"لم نسمع جعجعة ولم نرَ طحناً... باستثناء نشاط ملحوظ لحزب الجبهة الوطنية"، كتب حسين، منتقداً ما وصفه بانعدام الحماسة لدى الأحزاب المفترض بها الاستعداد للانتخابات، مضيفاً أن غالبيتها في انتظار "كعكة القوائم" كما حدث في الاستحقاقات السابقة، ما يشي بأنها لا تعتزم خوض معركة انتخابية حقيقية.

انتقادات علنية وردود غاضبة
ردود الفعل لم تتأخر. فقد شنّت الإعلامية الموالية للسيسي، قصواء الخلالي، هجوماً على مقال حسين، معتبرة إياه تجاوزاً لحدود النقد السياسي، ووصفت ما كتبه بـ"المقال الغريب والمثير للدهشة"، في مؤشر واضح على أن الخلافات داخل معسكر السلطة لم تعد طي الكتمان.

مصدر سياسي تحدّث أكد أن هذا التوتر يعكس خلافاً أعمق بشأن ترتيبات الانتخابات المقبلة، خاصة في ظل غياب أي نقاش علني حول تعديل قوانين الانتخابات، رغم اقتراب موعد الترشح لمجلس الشيوخ، ما دفع البعض لوصف الأمر بأنه "مأزق حقيقي للسلطات المشرفة على المشهد السياسي".

قانون انتخابي على المقاس
وفقاً للمصدر، فإن توزيع المقاعد البرلمانية بين "مستقبل وطن" و"الجبهة الوطنية" مرشّح لأن يكون محل شد وجذب، خصوصاً مع محاولات الحزب الجديد اقتسام النفوذ، والسعي للحصول على نصف مقاعد الحزب المسيطر، الذي بدوره يرفض التنازل عن أكثر من 20% من حصته الحالية.

هذا الخلاف يتزامن مع تصاعد الجدل حول شكل النظام الانتخابي. ففي حين تدفع قوى المعارضة باتجاه اعتماد نظام القائمة النسبية المفتوحة لتوزيع المقاعد بناءً على ما تحصده الأحزاب من أصوات، تتمسك الأحزاب القريبة من النظام بـالقائمة المغلقة المطلقة التي تتيح تشكيل تحالفات من أعلى وفرض مرشحين دون منافسة فعلية.

تبدو الحكومة في موقف حرج: فهي تخشى من برلمان متعدد الأصوات إذا فُتحت القوائم، لكنها لا تريد تكرار تجربة البرلمان الحالي الذي أظهر ضعفاً في الأداء وتماهيًا مطلقًا مع السلطة التنفيذية، ما أفقد المؤسسة التشريعية الكثير من دورها المفترض.

حوار وطني خلف الأبواب المغلقة
رغم التوصيات التي خرج بها الحوار الوطني، والتي تضمنت 3 مقترحات بشأن النظام الانتخابي – من بينها العودة للوضع الحالي أو اعتماد النظام المختلط أو النسبية الكاملة – فإن الحكومة، بحسب مصادر، فضلت إبقاء النقاشات مغلقة لتفادي الانقسامات، وهو ما أثار انتقادات داخلية عن "انعدام الشفافية" و"تأجيل الإصلاحات الانتخابية لصالح التفاهمات الحزبية".

محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية ورئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني، حاول طمأنة الرأي العام بقوله إن الدولة مستعدة للانتخابات ولا يوجد فراغ تشريعي، لكنه في الوقت ذاته أقر بوجود مطالبات حزبية بزيادة عدد المقاعد، ما يتطلب تغييرات إدارية وتشريعية قد لا يسعف الوقت لإقرارها.

تحذيرات من تكرار سيناريو 2010
في الخلفية، يتخوف برلمانيون ومراقبون من أن تؤدي حالة الغموض الحالية إلى تكرار سيناريو الانتخابات البرلمانية لعام 2010، التي هيمن فيها الحزب الحاكم وقتها على كامل مقاعد المجلس، ما عجل باندلاع ثورة يناير.

نائب بحزب مستقبل وطن قال إن حزبه لن يقبل أن يكون تابعاً في أي تحالف انتخابي، مؤكداً أنه الأحق بقيادة التحالفات المقبلة بحكم تمثيله البرلماني الحالي، محذراً من أن محاولات استبعاده أو تهميشه قد تؤدي إلى "فوضى سياسية داخل معسكر السلطة نفسه".

توظيف الجهل الانتخابي
نائب آخر تحدّث لكشف عن تخوف واسع داخل المؤسسات من ارتفاع معدلات بطلان الأصوات إذا تم تغيير النظام الانتخابي دون تمهيد كافٍ، محذراً من أن غياب التوعية قد يُستخدم لتوجيه الناخبين بطريقة مكشوفة، في ظل ضعف الإقبال الجماهيري على المشاركة السياسية.

وقال إن النية الحكومية نحو زيادة عدد مقاعد البرلمان تتطلب إعادة توزيع الدوائر، وتعديل الحدود الإدارية، وهي عملية معقدة زمنياً وسياسياً، وقد تفتح الباب أمام صدامات مجتمعية يصعب احتواؤها في وقت قصير.