استحوذت شركتا بلاك روك الأمريكية وإم إس سي الإيطالية للشحن على 43 ميناءً عالمياً من شركة "سي كيه هوتشن" العملاقة، بينها 12 ميناءاً استراتيجياً في الشرق الأوسط تقع في مصر والإمارات والعراق وعُمان والسعودية، مما يضع يد أكبر شركة إدارة أصول أمريكية على شريان حيوي من طرق التجارة العالمية.

من هونغ كونغ إلى المتوسط.. بلاك روك تضع قدمها على السواحل العربية
الصفقة التي وُقّعت في مارس 2025 وتبلغ قيمتها 22.8 مليار دولار، جرت بين شركتي بلاك روك الأمريكية وإم إس سي الإيطالية من جهة، وشركة CK Hutchison متعددة الجنسيات، التي يمتلكها الملياردير الآسيوي لي كا شينغ، أحد أغنى رجال العالم. وبموجبها، سيخضع عدد من الموانئ الحيوية لإدارة أمريكية-أوروبية، في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية والاقتصادية بين واشنطن وبكين.

الشرق الأوسط في قلب اللعبة.. هذه هي الموانئ التي شملها الاستحواذ
وفق ما تم الإعلان عنه، ستنتقل إدارة وتشغيل 12 ميناءاً استراتيجياً في الشرق الأوسط إلى التحالف الجديد، موزعة على النحو التالي:

مصر (5 موانئ): الإسكندرية – الدخيلة – أبوقير – العين السخنة – رصيف B100 بميناء الإسكندرية

الإمارات (4 موانئ): رأس الخيمة – عجمان – خصب – أم القيوين

سلطنة عمان (1): ميناء صحار

العراق (1): ميناء البصرة

السعودية (1): ميناء جازان

لماذا هذا الاستحواذ مهم؟ ولماذا الآن؟
ترى الولايات المتحدة أن ممرات التجارة العالمية أصبحت ساحة مواجهة جديدة مع الصين، وبالاستحواذ على هذه الموانئ، خاصة تلك الواقعة على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، تحقّق واشنطن قفزة استراتيجية في تأمين طرق الإمداد وخنق النفوذ الصيني المتنامي في إطار مبادرة "الحزام والطريق".

وصرّح بيتر فرانكوبان، أستاذ طرق التجارة العالمية في جامعة أكسفورد، قائلاً: "هذه الصفقة ليست مجرد استثمار.. إنها أداة جيوسياسية متكاملة لإعادة تشكيل النفوذ الأمريكي في وجه التوسع الصيني".

الإمارات في موقف حرج.. هل تهتز سيطرة "موانئ دبي"؟
تشير مصادر إلى أن الإمارات، وتحديداً شركة موانئ دبي العالمية، ترى في هذه الصفقة تهديداً مباشراً لنفوذها البحري، خصوصاً بعد أن تخلت شركة CK Hutchison عن موانئ داخل الإمارات لصالح تحالف بلاك روك - إم إس سي.

وقال مسؤول تنفيذي في صناعة الموانئ لموقع ميدل إيست آي: "ظاهرياً، تقول موانئ دبي إنها غير قلقة، لكن في الكواليس هناك غضب واضح. دخول بلاك روك بهذا الشكل يضعف نموذج موانئ دبي، الذي يقوم على تشغيل الموانئ دون امتلاكها".

وتخشى أبوظبي من أن تبدأ إم إس سي، ثاني أكبر شركة شحن حاويات في العالم، بتحويل سفنها إلى موانئها الخاصة، مما يقلل من حركة المرور في موانئ دبي تدريجياً.


خلف الكواليس.. ترامب، الصين، وبلاك روك
الصفقة لم تكن لتتم دون الحاضنة السياسية التي وفرتها إدارة ترامب، العائد بقوة إلى المشهد الانتخابي. فقد عبّر ترامب عن دعمه الصريح للاتفاق، وصرّح في مقابلة مع فوكس نيوز قائلاً: "أفضل أن تملك بلاك روك الموانئ بدلاً من شركة صينية. بلاك روك على الأقل أمريكية".

أما الصين، فوصفت الصفقة عبر صحفها الرسمية بأنها "خيانة"، متهمة شركة CK Hutchison ببيع أصول استراتيجية لمنافس استراتيجي.

لكن المحللين يرون أن الأمر أعمق من مجرد رد فعل سياسي. فبلاك روك تسعى إلى تحويل أصول الموانئ إلى أدوات طويلة الأمد لتوليد الإيرادات المستقرة، في وقت تشهد فيه الأسواق المالية العالمية تقلبات غير مسبوقة.