تُعد صناعة الدواجن والبيض من أهم الصناعات الاستراتيجية في مصر، حيث توفر مصدرًا غذائيًا رئيسيًا للمواطنين وتعتمد عليها الأسر المصرية، خاصة الفئات الأكثر فقرًا، بشكل كبير في تلبية احتياجاتهم الغذائية. إلا أن هذه الصناعة، التي كانت لفترة طويلة تُعتبر رمزًا للاكتفاء الغذائي في مصر، قد شهدت انهيارًا كبيرًا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما أثقل كاهل المصريين وفاقم معاناتهم الاقتصادية.

ارتفاع أسعار البيض والدواجن: أزمة تزامنت مع بدء العام الدراسي
في الأسابيع الأخيرة، ارتفعت أسعار بيض المائدة إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تجاوز سعر طبق البيض في بعض المناطق 200 جنيه مصري، وهو ما مثّل عبئًا ماليًا كبيرًا على الأسر المصرية، خاصة مع انطلاق الموسم الدراسي الذي عادة ما يشهد زيادة في الطلب على المنتجات الغذائية الأساسية. كان البيض يُعتبر من أكثر المنتجات الغذائية المتاحة والأقل تكلفة للمواطنين، إلا أن الزيادة الحادة في الأسعار جعلت الحصول عليه أمرًا شبه مستحيل بالنسبة للكثيرين.

وفي محاولة منها لاحتواء الأزمة، أعلنت الحكومة المصرية التعاقد على استيراد كميات ضخمة من البيض، حيث تم الاتفاق على استيراد 30 مليون بيضة (ما يعادل مليون طبق) بهدف تلبية احتياجات السوق المحلية وضبط الأسعار. كما تم زيادة معدلات ضخ البيض في المجمعات الاستهلاكية لتصل إلى 10 آلاف طبق أسبوعيًا بسعر 150 جنيهًا للطبق الواحد. إلا أن هذه الإجراءات لم تنجح في تهدئة المخاوف والاحتقان الشعبي، حيث لا تزال الأسعار مرتفعة والوصول إلى البيض بسعر معقول بعيد المنال لكثير من المواطنين.

دور التجار في تفاقم الأزمة
توجهت أصابع الاتهام في الأزمة الأخيرة إلى كبار التجار ومنتجي البيض، حيث اتهمهم البعض بتعمد رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه لتحقيق أرباح سريعة على حساب المواطنين. وردًا على ذلك، تحرك جهاز حماية المنافسة في مصر لمواجهة هذه الممارسات، حيث قرر تحريك دعوى جنائية ضد 21 من كبار منتجي بيض المائدة بسبب إقرار زيادات سعرية كبيرة. تأتي هذه الخطوة في إطار محاولة الحكومة للتصدي للاحتكار والجشع الذي يمارسه بعض التجار.

ورغم هذا الإجراء، فإن استجابة السوق ظلت محدودة، ولم تنخفض الأسعار بالشكل المتوقع. يُعزى هذا الفشل إلى ضعف قدرة الحكومة على فرض رقابة فعّالة على السوق وضبط عمليات التسعير، بالإضافة إلى عدم توفر بدائل كافية أو كميات كافية من البيض المستورد تغطي الطلب المحلي المتزايد.

أزمة الإنتاج المحلي: ضغوط على الصناعة
تُعتبر صناعة الدواجن والبيض من أهم الصناعات الزراعية في مصر، حيث يصل الإنتاج المحلي إلى حوالي 14 مليار بيضة سنويًا، بالإضافة إلى 1.4 مليار طائر، باستثمارات تصل إلى حوالي 100 مليار جنيه. ولكن هذه الصناعة تعرضت لضغوط شديدة خلال السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، مثل زيادة أسعار الأعلاف والنقل، بالإضافة إلى تراجع الدعم الحكومي للقطاع الزراعي والتنموي، مما أدى إلى تقليص حجم الإنتاج وزيادة الأسعار.

تأثرت صناعة الدواجن والبيض أيضًا بالسياسات الاقتصادية العامة التي تبنتها الحكومة، مثل تحرير سعر الصرف الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المستلزمات الإنتاجية، خاصة الأعلاف التي يتم استيرادها من الخارج. كما أن الفساد وسوء الإدارة في هذا القطاع قد ساهما في تفاقم الأزمة، حيث لم تتمكن الحكومة من تقديم حلول عملية لدعم المنتجين المحليين أو تشجيع الاستثمار في هذه الصناعة الحيوية.

تأثير الانهيار على الأسر المصرية
يمثل انهيار صناعة الدواجن والبيض كارثة حقيقية للأسر المصرية التي تعتمد بشكل كبير على هذه المنتجات كمصدر أساسي للبروتين. في بلد يعيش فيه حوالي ثلث السكان تحت خط الفقر أو عنده، لا تزال أسعار المواد الغذائية الأخرى مرتفعة بنفس القدر، مثل اللحوم الحمراء والأسماك، مما يجعل البيض والدواجن الخيار الغذائي الوحيد المتاح نسبيًا للفئات الفقيرة. ومع تزايد الأزمات الاقتصادية والتضخم المستمر الذي بلغ 26%، أصبح الحصول على البروتين مسألة صعبة للغاية للكثير من الأسر.

الأبعاد السياسية للأزمة
تأتي أزمة البيض والدواجن في سياق أوسع من تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر تحت حكم السيسي. في الوقت الذي تستمر فيه الحكومة في عقد صفقات تجارية واستثمارية ضخمة مع دول الخليج وغيرها من القوى الإقليمية، لا تزال المشاكل الاقتصادية التي يواجهها المواطن المصري العادي تتفاقم. ارتفاع الأسعار، وزيادة البطالة، وتراجع الدعم الحكومي، كلها عوامل أدت إلى زيادة الاستياء الشعبي ضد النظام.

رغم هذه التحديات، تسعى الحكومة إلى تقديم نفسها كقوة استقرار إقليمية، مستفيدة من دورها في الوساطة في النزاعات الإقليمية مثل الحرب بين إسرائيل وحماس. ولكن هذه التحركات الدبلوماسية والسياسية لا تغطي على الحقيقة القاسية التي يواجهها المواطنون المصريون يوميًا، حيث يستمر تدهور الأوضاع المعيشية بشكل ملحوظ.

الخاتمة
في نهاية المطاف، لا يمكن فصل انهيار صناعة الدواجن والبيض عن السياق العام للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر. ومع استمرار الحكومة في التركيز على الصفقات الخارجية وتحقيق مصالحها الجيوسياسية، يبقى المواطن المصري هو الضحية الأكبر لتلك السياسات التي تزيد من معاناته اليومية. بدون تدخل حقيقي وشامل لدعم هذه الصناعة الحيوية وضبط الأسعار، ستستمر الأزمة في التفاقم، وستظل الأسر المصرية تعاني من تداعيات هذه الانهيار الاقتصادي.