في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات والتحليلات، شهدت مصر زيارة غير مسبوقة لمسؤولين إيرانيين في الفترة الأخيرة، وهي الزيارة التي جاءت في ظل توترات إقليمية وتغيرات سياسية ودبلوماسية على الساحة الدولية. السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه هو: لماذا تحدث هذه الزيارة الآن؟ وهل تُعد مؤشراً على تحول في السياسة الخارجية المصرية، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة التي تواجهها القاهرة من قبل واشنطن؟ وهل يمكن أن تكون مصر في طور البحث عن بديل لتعويض الفتور في علاقاتها مع الولايات المتحدة؟ الخلفية السياسية للزيارة على مدى سنوات طويلة، ظلت العلاقات المصرية-الإيرانية متوترة منذ الثورة الإيرانية في 1979، بسبب اختلاف التوجهات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية في المنطقة. إلا أن هذه الزيارة قد تكون علامة على تغيرات محتملة في تلك العلاقة، لا سيما مع ظهور تقاطعات جديدة في المصالح الإقليمية بين البلدين. أحد الدوافع الرئيسية لهذه الزيارة يمكن أن يكون التقارب الإيراني مع عدد من الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، والتي بدأت بإعادة فتح العلاقات الدبلوماسية مع السعودية. ويبدو أن مصر ترغب في الاستفادة من هذا المناخ الجديد لتعزيز دورها الإقليمي وسط ضغوط دولية متزايدة. التوقيت الحساس: هل تخلت واشنطن عن السيسي؟ زيارة المسؤولين الإيرانيين إلى القاهرة تأتي في وقت حساس للغاية. فقد شهدت العلاقات المصرية-الأمريكية توتراً ملحوظاً خلال الأشهر الأخيرة، خاصة مع زيادة الضغوط الأمريكية على نظام عبد الفتاح السيسي فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان والديمقراطية. واشنطن لم تتردد في استخدام ورقة المعونة العسكرية السنوية كأداة للضغط، ما يضع مصر في موقف حرج على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. الولايات المتحدة تعتبر شريكاً استراتيجياً لمصر منذ عقود، إلا أن العلاقات بين البلدين لم تعد كما كانت عليه في السابق، خاصة في ظل تحولات الإدارة الأمريكية تحت حكم الرئيس جو بايدن. ومع تزايد التوترات، يبدو أن السيسي قد بدأ في البحث عن بدائل أخرى، ليس فقط من أجل الحصول على الدعم المالي أو الاقتصادي، بل لتعزيز نفوذه الإقليمي وضمان استقرار نظامه السياسي. هنا يأتي السؤال المهم: هل تمثل هذه الزيارة توجهاً نحو تقارب استراتيجي مع إيران؟ وهل يمكن لمصر أن تجد في إيران شريكاً بديلاً يعزز موقعها الإقليمي، ويخفف من الضغوط الدولية عليها؟ المصالح المشتركة بين مصر وإيران هناك عدد من القضايا التي يمكن أن تشكل تقاطعات للمصالح المشتركة بين القاهرة وطهران. أولاً، تسعى كلا الدولتين إلى لعب دور أكبر في المنطقة، خاصة في ظل التحديات التي تواجههما. إيران ترغب في تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، بينما تسعى مصر للحفاظ على دورها كقوة إقليمية محورية. ثانياً، قد يكون التوجه المصري نحو إيران نابعاً من حاجة مصر إلى تنويع تحالفاتها الاستراتيجية في ظل الظروف الراهنة. إذ إن مصر تواجه العديد من التحديات الاقتصادية، بما في ذلك الضغوط الناجمة عن اتفاقيات صندوق النقد الدولي، ما يجعلها بحاجة إلى تعزيز علاقاتها مع قوى إقليمية تقدم لها دعماً اقتصادياً أو سياسياً. هل تقف أمريكا متفرجة؟ على الرغم من أن زيارة الإيرانيين إلى مصر قد تثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، إلا أن القاهرة تحاول المناورة بين ضغوط الداخل والخارج. إدارة بايدن لم تعد تقدم دعماً غير مشروط للسيسي، وهو ما دفع الأخير إلى البحث عن موازين قوى جديدة. ومع ذلك، يبقى التحدي أمام مصر في كيفية إدارة هذه التحركات دون إثارة غضب واشنطن بشكل كبير، خاصة أن الولايات المتحدة لا تزال شريكاً رئيسياً في مجالات الدفاع والاقتصاد. كما أن مصر قد تستخدم ورقة التقارب مع إيران كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة، بهدف تحسين شروط التفاوض بشأن قضايا الدعم الاقتصادي والمعونة العسكرية. وقد يساهم هذا التكتيك في تعزيز موقف السيسي أمام الداخل المصري، الذي يعاني من الأزمات الاقتصادية المستمرة. التحديات أمام التقارب المصري-الإيراني على الرغم من أن هذه الزيارة قد تشير إلى تحول محتمل في العلاقات بين البلدين، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تعترض هذا التقارب. أهمها التوترات الإقليمية الناجمة عن دعم إيران لحركات المقاومة مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة، وهو ما يتعارض مع سياسات مصر التي تسعى إلى استقرار حدودها ومصالحها الأمنية في المنطقة. إلى جانب ذلك، يبقى التحالف المصري مع دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، عائقاً أمام تطوير علاقات قوية مع إيران، خاصة في ظل العداء التقليدي بين هذه الدول وطهران.
زيارة إيران إلى مصر تحمل الكثير من الدلالات، فهي قد تكون بداية تحول في السياسة الخارجية المصرية وسط الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة. يبدو أن القاهرة تسعى لتنويع خياراتها وتعزيز مكانتها الإقليمية في ظل التوترات مع الولايات المتحدة، إلا أن هذا التقارب المحتمل لا يخلو من التحديات والمعوقات، خاصة في ظل تعقيدات المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط.

