شهد القطاع الزراعي في مصر تراجعاً كبيراً بسبب النقص الحاد في إنتاج الغاز الطبيعي، الذي انخفض إلى مستويات قياسية خلال العام الجاري، ما أدى إلى تلبية ثلثي احتياجات البلاد فقط من الغاز اللازم لتوليد الكهرباء وصناعات الأسمدة والبتروكيماويات. أثرت هذه الأزمة بشكل مباشر على توريد وزارة البترول لحصص شركات الأسمدة، مما دفع بعض المصانع إلى التوقف الجزئي عن الإنتاج، وتغيير برامج التشغيل، كما قللت المصانع كميات الأسمدة المسلمة لوزارة الزراعة بنسبة تصل إلى 50% من الكميات المتفق عليها.
تراجع إنتاج الأسمدة وتأثيره على الزراعة
شهدت مصانع الأسمدة التسعة في مصر تراجعًا في معدلات الإنتاج، حيث انخفض الإنتاج من 13 مليون طن في عام 2022 إلى أقل من 8 ملايين طن في 2023، وهي الكمية التي تحتاجها وزارة الزراعة من الأسمدة الآزوتية. تلتزم المصانع التي تحصل على الغاز الطبيعي من شبكة الغاز الوطنية بتوريد 55% من إنتاجها إلى الجمعيات الزراعية والبنك الزراعي المصري بأسعار مدعمة للمزارعين، حيث يبلغ سعر عبوة سماد اليوريا 256 جنيهًا، وسعر عبوة النترات 251 جنيهًا، بينما تُباع في السوق السوداء بأسعار تصل إلى 1300 جنيه للعبوة.
تواجه مصانع الأسمدة ضغوطًا كبيرة نتيجة لارتفاع أسعار الغاز، مما يدفعها إلى زيادة توجهها نحو التصدير بهدف جلب العملة الصعبة لتغطية تكاليف الإنتاج. كما تعكف الحكومة على دراسة رفع أسعار الغاز والمحروقات للقطاع الصناعي في المستقبل القريب، مما يزيد من التحديات التي تواجهها تلك المصانع.
ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية في الأسواق
شهدت الأسواق المصرية زيادات كبيرة في أسعار الخضروات والفاكهة، حيث سجل سعر الثوم المحلي، على سبيل المثال، رقماً قياسياً بلغ 150 جنيهًا للكيلوغرام، بزيادة قدرها 30 جنيهًا خلال أسبوع واحد. جاءت هذه الزيادات في ظل بداية موسم زراعة محصول الثوم الجديد، مما ينبئ بارتفاعات إضافية في الأسعار خلال الأشهر المقبلة.
كما ارتفعت أسعار الخضروات الأخرى مثل البصل، الذي عاد إلى الارتفاع ليصل إلى 30 جنيهًا للكيلوغرام، متأثرًا بتراجع التخزين وزيادة الكميات المصدرة. البطاطس أيضاً شهدت ارتفاعاً في أسعارها مع انتهاء المحصول الصيفي وزيادة الصادرات، بينما انخفضت أسعار الطماطم بشكل طفيف لتتراوح بين 20 و25 جنيهًا للكيلوغرام بعد أن كانت قد بلغت 40 جنيهًا في بداية الشهر.
فيما يتعلق بالفاكهة، تأثرت أسعارها بشكل ملحوظ بسبب انتهاء موسم المحاصيل الصيفية وبدء موسم الشتاء. أسعار العنب تراوحت بين 50 و60 جنيهًا للكيلوغرام، والبلح الطازج بلغ 25 جنيهًا، بينما ارتفعت أسعار الأصناف الفاخرة مثل الأناناس والتفاح والمانجو المستوردة إلى مستويات قياسية.
الأسباب وراء ارتفاع الأسعار
يعزو خبراء الاقتصاد الزراعي في مصر ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة إلى زيادة معدلات التصدير بشكل غير مسبوق. تتبع الحكومة وشركات التصدير سياسة رفع معدلات تصدير المنتجات الزراعية دون مراعاة الاحتياجات المحلية، بهدف الحصول على الدولار الضروري لدعم الاقتصاد المحلي. يتيح ذلك للشركات استخدام قيمة الصادرات في استيراد منتجات بديلة أو مستلزمات إنتاج من الخارج، وفق اتفاقيات سابقة مع الحكومة على نظام التبادل السلعي.
إلى جانب ذلك، سمحت الحكومة للمصدرين بعدم إلزامهم بتوريد حصيلة الصادرات بالدولار إلى البنوك، وهو ما يساهم في زيادة تصدير المنتجات الزراعية على حساب توافرها في الأسواق المحلية. هذه السياسات أدت إلى نقص المعروض من المنتجات الزراعية في الأسواق وارتفاع أسعارها، ما يزيد العبء على المواطنين والمزارعين على حد سواء.
تأثيرات مستقبلية محتملة
مع استمرار أزمة الغاز الطبيعي وارتفاع تكلفة الإنتاج، يتوقع استمرار الضغوط على القطاع الزراعي المصري. زيادة أسعار الغاز والمحروقات، التي أعلنت الحكومة عن دراستها، ستؤدي إلى رفع تكاليف التشغيل في مصانع الأسمدة، ما يعني تقليل الإنتاج المحلي وزيادة الاعتماد على التصدير لتغطية التكاليف. هذا الأمر سيفاقم من أزمة توفر الأسمدة في السوق المحلية وسيزيد من معاناة المزارعين، الذين يعتمدون على الأسمدة المدعمة لضمان استمرار الإنتاج الزراعي بأسعار معقولة.
من ناحية أخرى، فإن زيادة تصدير المنتجات الزراعية بهدف الحصول على الدولار قد يترتب عليه استمرار ارتفاع الأسعار في السوق المحلية، ما يضيف أعباء إضافية على المستهلكين ويزيد من معاناتهم الاقتصادية في ظل الظروف الحالية.
ختاما؛ تعكس الأزمة الحالية في القطاع الزراعي المصري مدى تأثير تراجع إنتاج الغاز الطبيعي على مختلف جوانب الاقتصاد. يجب على الحكومة المصرية العمل على وضع سياسات متوازنة تراعي احتياجات السوق المحلية وتضمن توفير الأسمدة بأسعار معقولة للمزارعين، مع البحث عن حلول لتوفير الطاقة الضرورية لاستمرار العمليات الصناعية.