في ظل التحولات الاقتصادية والسياسية التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، كان للملكة العربية السعودية دور بارز في دعم الاقتصاد المصري من خلال استثمارات ضخمة. هذه الاستثمارات جاءت في وقت حرج بالنسبة لمصر، التي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة جراء تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع الديون. ومن بين أبرز التطورات الأخيرة، قرار ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار في مصر عبر صندوق الاستثمارات العامة السعودي. هل الاستثمارات السعودية دعم اقتصادي أم تدخل في السيادة المصرية؟ من الطبيعي أن يتساءل المتابع للوضع المصري عن طبيعة تلك الاستثمارات الضخمة، وعن السبب الذي يجعل المملكة تسعى لتعزيز وجودها الاقتصادي في مصر في هذا التوقيت تحديدًا. بعض المراقبين يرون أن هذه الخطوة تعكس مسعى سعودي لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال الاقتصاد، بينما يرى آخرون أن هذا التعاون بين البلدين قد يكون بمثابة "احتلال ناعم" للسيادة المصرية. في حين أن الاتفاقيات الأخيرة بين مصر والسعودية جاءت بدعوى تحسين البيئة الاستثمارية وتذليل العقبات أمام المستثمرين السعوديين، إلا أن تفاصيل تلك الاتفاقيات تشير إلى نقاط مثيرة للجدل. فقد نصت بعض البنود على حماية الاستثمارات السعودية في مصر في حالات الطوارئ والنزاعات، وهو ما قد يشير إلى تخوف سعودي من استقرار الوضع السياسي والاقتصادي في مصر على المدى القريب والمتوسط. بنود مثيرة للجدل: حماية غير مسبوقة للاستثمارات قانون الاستثمار المصري رقم 72 لسنة 2017 يوفر ضمانات مهمة للمستثمرين الأجانب، إلا أن الاتفاقية السعودية المصرية تضمنت بنودًا إضافية تمنح المستثمرين السعوديين حماية استثنائية. فمثلاً، ينص الاتفاق على حماية الاستثمارات من أي إجراء حكومي قد يجرد المستثمرين من حقوقهم، كما يمنع تأميم أو نزع الملكية أو إخضاعها لأية جهات أخرى. هذه البنود تعتبر غير معتادة في الاتفاقيات الاستثمارية، مما دفع البعض لاعتبارها محاولة سعودية لضمان التحكم والسيطرة على الأصول المصرية. أحد البنود التي أثارت الكثير من التساؤلات هو النص الذي يضمن للمستثمرين السعوديين أولوية الحصول على العملات الأجنبية من البنك المركزي المصري، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة نقدية حادة. هذا الامتياز يمنح الشركات السعودية أفضلية كبيرة مقارنة بالمستثمرين المحليين والأجانب الآخرين، ويطرح تساؤلات حول عدالة المنافسة في السوق المصري، خاصةً أن شركات الجيش المصري، التي تهيمن على جزء كبير من الاقتصاد، تحصل بالفعل على معاملة تفضيلية في ما يتعلق بالضرائب والجمارك. دعم سعودي بغطاء استثماري أم إنقاذ عاجل للاقتصاد المصري؟ في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية خانقة، جاءت الاستثمارات السعودية كمحاولة لدعم الاقتصاد المنهار. إلا أن بعض التحليلات تشير إلى أن هذه الأموال ليست استثمارات حقيقية بقدر ما هي "إعانة عاجلة" للاقتصاد المصري، لتفادي الإحراج أمام العالم. فرغم ضخامة المبلغ الذي أعلن عنه، لم يتم تحديد المشاريع التي ستستثمر فيها هذه الأموال بوضوح، مما يجعل تلك الاستثمارات أقرب إلى قروض إنقاذية منها إلى استثمارات تنموية حقيقية. مخاوف بشأن الشفافية وتسعير الأصول من أهم القضايا المثارة في هذا السياق هو عدم وضوح آليات تسعير الأصول التي ستباع للمستثمرين السعوديين. ففي غياب الشفافية وفي ظل القوانين الجديدة التي تمنع الطعن على العقود الحكومية، يبقى السؤال حول كيفية تقييم هذه الأصول وسعرها العادل. هذا الغموض يعزز الشكوك بأن الدولة المصرية قد تقدم تنازلات كبيرة للسعودية مقابل هذه الاستثمارات، مما يضع السيادة الاقتصادية المصرية على المحك. ماذا عن دور الجيش المصري في الاقتصاد؟ لا يمكن الحديث عن الاقتصاد المصري دون التطرق إلى دور الجيش الذي يهيمن على عدد كبير من القطاعات الاقتصادية. الشركات التابعة للجيش تتمتع بامتيازات ضريبية وجمركية، وقد نجحت في الاستفادة من إعفاءات خاصة في ما يتعلق بتكاليف الكهرباء والغاز. هذه الامتيازات تجعل المنافسة مع الشركات السعودية أو غيرها من المستثمرين الأجانب أمرًا شبه مستحيل. وفي هذا السياق، يتساءل بعض الخبراء عن مدى تأثير الاتفاقية مع السعودية على وضع الشركات التابعة للجيش. هل ستتمكن السعودية من الحصول على معاملة تفضيلية مماثلة، أم ستظل الشركات العسكرية في مصر تتمتع بمزايا تجعلها غير قابلة للمنافسة؟ ختامًا: السيادة المصرية في خطر؟
في ظل تزايد النفوذ السعودي في الاقتصاد المصري، لا يمكن إغفال التساؤلات المتعلقة بالسيادة الوطنية. فبينما تسعى الحكومة المصرية للحصول على الدعم المالي لإنقاذ اقتصادها المتدهور، يبدو أن المملكة العربية السعودية تستغل هذه الفرصة لتعزيز نفوذها في مصر. هذه الاستثمارات التي تأتي بشروط غير مسبوقة قد تؤدي في النهاية إلى تحكم سعودي غير مباشر في قطاعات حيوية من الاقتصاد المصري، مما يثير المخاوف بشأن تأثير ذلك على الاستقلال الاقتصادي والسياسي لمصر. هل نحن أمام احتلال ناعم؟ بينما يرى البعض في هذه الاستثمارات فرصة لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهل الدولة المصرية، يرى آخرون أن السعودية قد تستغل الضعف الاقتصادي المصري لتحقيق مصالحها الإقليمية. ففي ظل غياب الشفافية ووجود شروط استثنائية لحماية الاستثمارات، قد يكون مصير الاقتصاد المصري مرهونًا بالمصالح السعودية، مما يجعل الحديث عن "احتلال ناعم" أمرًا ليس بعيدًا عن الواقع.

