شهدت مصر في السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في نشاط تجارة الأعضاء البشرية، التي استفحلت نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات الفقر والتضخم. تشهد مناطق عشوائية وشعبية في القاهرة والمحافظات الأخرى ازديادًا في حالات استغلال الفقراء واللاجئين لبيع أعضائهم مقابل مبالغ مالية زهيدة. وعلى الرغم من الخطط المعلنة من الحكومة، إلا أن هناك فشلًا واضحًا في مواجهة هذه المشكلة ومنعها. هذا التقرير يسعى لتسليط الضوء على هذه الظاهرة، وأسباب تفاقمها، وفشل الحكومة في التصدي لها.

أولاً: التجارة غير المشروعة في الأعضاء البشرية في مصر
1. تزايد عمليات تجارة الأعضاء
تعد مصر واحدة من أبرز الدول في العالم التي تشهد نشاطًا كبيرًا في تجارة الأعضاء البشرية، وذلك بسبب عوامل اقتصادية واجتماعية، جعلت شرائح كبيرة من المواطنين، خاصة الفقراء واللاجئين، عرضة للاستغلال من قبل سماسرة تجارة الأعضاء. تنتشر هذه الظاهرة في المناطق الشعبية والمهمشة، حيث يقوم السماسرة بالتجول في المقاهي والمناطق الفقيرة، لإغراء المحتاجين بمبالغ مالية مقابل بيع أعضائهم، مثل الكلى أو الكبد.

2. العصابات المنظمة والسماسرة
العصابات المنظمة لتجارة الأعضاء في مصر تتكون من وسطاء وسماسرة يعملون في مناطق شعبية مثل عين شمس وأرض اللواء في القاهرة، حيث يتم استدراج الأشخاص الفقراء مقابل مبالغ تتراوح بين 50 ألف إلى 200 ألف جنيه. يقوم السماسرة بإجراء الفحوصات الطبية للمتبرعين المحتملين في معامل ومستشفيات خاصة، وتتم العمليات بسرية تامة في ظروف تفتقر إلى المعايير الصحية، ما يعرض حياة المتبرعين لخطر الموت أو الإصابة بمضاعفات صحية خطيرة مثل الفشل الكلوي.

3. استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
أصبح فيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي منصة رئيسية لتجارة الأعضاء، حيث ينتشر فيها إعلانات من شباب يعرضون بيع أعضائهم بسبب الحاجة المالية. يتم التواصل بين السماسرة والمحتاجين من خلال منشورات سرية أو إعلانات خفية على صفحات غير معلنة، ما يعكس حجم هذه الظاهرة المتزايدة.

ثانيًا: الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر كعامل رئيسي
1. ارتفاع معدلات الفقر والتضخم
تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر كان المحفز الأساسي لازدهار تجارة الأعضاء البشرية. مع ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وزيادة نسبة الفقر التي وصلت إلى 33.7% في عام 2022 وفقًا للإحصاءات الرسمية، بات الكثير من المصريين غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية. هذا الوضع دفع البعض إلى خيارات مروعة مثل بيع أعضائهم للخروج من دوامة الفقر والديون.

2. تفاقم الأزمة الاقتصادية في عهد عبدالفتاح السيسي
منذ انقلاب عبدالفتاح السيسي على حكم الرئيس محمد مرسي، شهد الاقتصاد المصري تراجعًا كبيرًا، حيث تزايدت معدلات البطالة وارتفعت الأسعار، ما أدى إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين. على الرغم من مشاريع البنية التحتية الكبرى التي قامت بها الحكومة، مثل بناء العاصمة الإدارية الجديدة وتوسيع قناة السويس، إلا أن هذه المشروعات لم تنعكس إيجابًا على حياة المصريين اليومية، بل زادت من أعبائهم الاقتصادية، مما ساهم في تفاقم ظاهرة بيع الأعضاء.

ثالثًا: اللاجئون كهدف رئيسي لعصابات تجارة الأعضاء
1. تدفق اللاجئين إلى مصر
مصر استقبلت على مدار السنوات الماضية ما يقرب من 9 ملايين لاجئ، أغلبهم من السودان وسوريا والصومال وإثيوبيا. هؤلاء اللاجئون يعيشون في ظروف قاسية، ويعانون من صعوبة الحصول على فرص عمل أو مساعدة اجتماعية كافية. هذا الواقع يجعلهم هدفًا سهلًا لسماسرة تجارة الأعضاء، حيث يتم استغلال حاجتهم الماسة للمال.

2. استغلال اللاجئين في تجارة الأعضاء
يُعتبر اللاجئون، بسبب أوضاعهم الهشة، الأكثر عرضة للاستغلال في تجارة الأعضاء. تُستدرج العديد من الحالات في مقاهي وأحياء عشوائية مثل عين شمس وأرض اللواء، حيث يعرض السماسرة مبالغ مالية تتراوح بين 50 ألف إلى 300 ألف جنيه مقابل استئصال عضو مثل الكلى. اللاجئون غالبًا لا يملكون الحماية القانونية، مما يجعلهم عرضة للاستغلال دون القدرة على المطالبة بحقوقهم أو اللجوء إلى السلطات.

رابعًا: الفشل الحكومي في مواجهة الأزمة
1. ضعف الإجراءات الحكومية
على الرغم من إصدار قوانين صارمة في مصر لمكافحة تجارة الأعضاء البشرية، إلا أن تطبيق هذه القوانين يواجه صعوبات كبيرة بسبب الفساد وضعف الرقابة على المستشفيات الخاصة. في كثير من الأحيان، يُسمح بإجراء عمليات غير قانونية في مستشفيات خاصة غير مرخصة، دون محاسبة فعلية للأطباء المتورطين.

2. غياب الرقابة على المستشفيات الخاصة
فتح تراخيص جديدة للمستشفيات الخاصة في مصر، دون وجود رقابة فعالة، ساهم في تسهيل عمليات تجارة الأعضاء. تلك المستشفيات تكون غالبًا مشبوهة، وتستغل الأوضاع الاقتصادية الصعبة لتحقيق أرباح غير مشروعة. يستفيد السماسرة من هذا الفراغ الرقابي لإجراء العمليات بسرية تامة، ما يزيد من معاناة الضحايا.
3. فشل المبادرات الحكومية
في عام 2022، أعلن السيسي عن إنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا داخل المدينة الطبية الجديدة في معهد ناصر، بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة. ورغم هذا الإعلان الطموح، إلا أن هذه الخطوة لم تنجح في تقليل نشاط تجارة الأعضاء غير المشروعة. بقيت تلك الظاهرة قائمة، ما يعكس الفشل في حل الأزمة من جذورها.

خاتمة
أزمة تجارة الأعضاء في مصر تعكس تدهورًا عميقًا في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وفشل النظام الحالي في مواجهة تلك التحديات. الفقر والبطالة واللجوء إلى الحلول غير الإنسانية مثل بيع الأعضاء، هي انعكاس مباشر لسياسات اقتصادية غير فعالة.

بينما تواصل العصابات نشاطها وتزداد حدة هذه الأزمة، يبقى الحل الحقيقي في تبني سياسات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين، وتشديد الرقابة على المستشفيات، وتطبيق القوانين بصرامة أكبر.