يمر التعليم في مصر بأزمة متفاقمة، تزداد سوءًا مع بداية العام الدراسي الجديد، حيث يعاني طلاب أغلب المدارس في المحافظات من عدم استلام الكتب المدرسية رغم مرور نحو ثلاثة أسابيع على بدء الدراسة. ويأتي هذا التأخير نتيجة لعجز وزارة التربية والتعليم عن توفير الكتب بشكل كامل، بسبب مشكلات تتعلق بعملية الطباعة وارتفاع تكلفتها، وهي مشكلة تتفاقم في ظل ضعف الإمكانيات والموارد المخصصة للتعليم.

أزمة الكتاب المدرسي
يعد الكتاب المدرسي من أهم الأدوات التعليمية التي يعتمد عليها الطلاب في المدارس المصرية. ورغم محاولات الوزارة الانتقال إلى التعليم الإلكتروني وتفعيل استخدام التابلت، إلا أن الكتاب المدرسي لا يزال يشكل العمود الفقري في العملية التعليمية، خاصة في المحافظات والمناطق الريفية التي تفتقر إلى البنية التحتية الرقمية الملائمة.

هذا العام، بدأت الأزمة مبكرًا، حيث تأخر تسليم الكتب المدرسية إلى طلاب العديد من المدارس. وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على بدء الدراسة، إلا أن الطلاب في محافظات عديدة لم يستلموا كتبهم حتى الآن. وتشير مصادر من داخل وزارة التربية والتعليم إلى أن سبب هذا التأخير يعود إلى مشاكل في عملية الطباعة، مع ارتفاع كبير في تكلفتها بعد بيع شركة "راكت" للورق، وهي الشركة التي كانت توفر الورق اللازم للطباعة بأسعار مناسبة للوزارة.

ارتفاع تكلفة الطباعة
أحد أبرز العوامل التي ساهمت في تأخير تسليم الكتب المدرسية هو الارتفاع الكبير في تكلفة الطباعة. وفقًا لمصادر من وزارة التربية والتعليم، ارتفعت تكلفة طباعة الكتب المدرسية إلى نحو 13 مليون جنيه، وهو مبلغ يفوق بكثير ما كانت الوزارة قادرة على تحمله في السابق. تعزو الوزارة هذا الارتفاع إلى نقص الورق في السوق المحلي بعد بيع شركة "راكت" للورق، التي كانت توفر الورق بسعر أقل قبل بيعها للقطاع الخاص.

ومن المعروف أن شركة "راكت" كانت تعد واحدة من أكبر شركات تصنيع الورق في مصر، وكانت تساهم بشكل رئيسي في توفير الورق اللازم لطباعة الكتب المدرسية بأسعار مخفضة للوزارة. ومع بيع الشركة وزيادة أسعار الورق في السوق، وجدت الوزارة نفسها في مأزق مالي يحول دون القدرة على توفير الكتب في الوقت المحدد.

تأثير الأزمة على العملية التعليمية
إن تأخر استلام الكتب المدرسية يعكس حجم الأزمة التي يعاني منها قطاع التعليم في مصر. فقد أصبح الطالب المصري ضحية لتدهور الإدارة التعليمية وغياب التخطيط السليم. يعتمد الطلاب بشكل رئيسي على الكتاب المدرسي، وعدم توافره يؤدي إلى نقص حاد في الموارد التعليمية المتاحة لهم، مما يؤثر بشكل مباشر على تحصيلهم الأكاديمي.

في كثير من المدارس، يضطر المعلمون إلى الاعتماد على الشرح اللفظي دون استخدام الكتاب، مما يزيد من العبء على الطالب والمعلم على حد سواء. كما أن غياب الكتب يؤدي إلى تفاوت كبير في مستوى التعليم بين المناطق، حيث يعاني الطلاب في المدارس الحكومية، خاصة في المحافظات والمناطق الريفية، من نقص حاد في الموارد مقارنة بزملائهم في المدارس الخاصة التي تعتمد على مصادر تعليمية أخرى.

تداعيات بيع شركة "راكت" للورق
بيع شركة "راكت" للورق يعتبر من أكبر الأخطاء التي ساهمت في تفاقم أزمة الكتاب المدرسي في مصر. فقد كانت الشركة توفر الورق للقطاع التعليمي بأسعار مخفضة، الأمر الذي ساعد الوزارة على طباعة الكتب المدرسية بشكل كافٍ وبتكاليف معقولة. ومع بيع الشركة للقطاع الخاص وارتفاع أسعار الورق، أصبحت الوزارة غير قادرة على تلبية احتياجات الطلاب من الكتب المدرسية في الوقت المناسب.

يؤكد خبراء التعليم أن بيع شركات استراتيجية مثل "راكت" يعد كارثة حقيقية على التعليم، حيث يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الطباعة والمواد الأساسية التي تعتمد عليها العملية التعليمية. كما يشيرون إلى أن هذه الأزمة لن تنتهي إلا بإعادة النظر في سياسات الخصخصة التي طالت شركات تقدم خدمات ضرورية لقطاعات حيوية كالتعليم.

موقف الوزارة
من جهتها، تواجه وزارة التربية والتعليم انتقادات لاذعة من أولياء الأمور والخبراء التربويين بسبب تأخر تسليم الكتب المدرسية، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطنون. وبررت الوزارة هذا التأخير بمشكلات تتعلق بالطباعة وارتفاع التكلفة، لكنها لم تقدم حلولاً ملموسة أو جدولاً زمنياً واضحاً لتوزيع الكتب على جميع الطلاب.

وفي محاولة لتخفيف حدة الأزمة، أعلنت الوزارة عن خطط لإتاحة الكتب المدرسية بصيغة رقمية على الإنترنت، بهدف تمكين الطلاب من الوصول إليها لحين توفير النسخ الورقية. لكن هذا الحل لا يعتبر كافياً في ظل ضعف البنية التحتية للإنترنت في العديد من المناطق الريفية، التي تشكل نسبة كبيرة من المدارس في مصر.
التعليم في مفترق طرق
تواجه مصر أزمة حقيقية في قطاع التعليم، تتطلب حلولاً جذرية تتجاوز معالجة الأعراض السطحية للأزمة. فقد بات واضحاً أن مشاكل التعليم في مصر ليست فقط متعلقة بتأخر تسليم الكتب المدرسية أو ارتفاع تكاليف الطباعة، بل هي أزمة هيكلية تعكس سوء التخطيط وضعف الاستثمار في قطاع التعليم.

إن بيع شركات استراتيجية مثل "راكت" للورق، وتأخر تسليم الكتب المدرسية، وغياب الحلول الفعالة من قبل الوزارة، كلها عوامل تؤكد أن التعليم في مصر على مفترق طرق. يتطلب الأمر إرادة سياسية واستثماراً حقيقياً في التعليم لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

ختامًا، يعكس هذا التقرير صورة واضحة عن انهيار التعليم في مصر، وتفاقم الأزمات التي تؤثر على الطلاب والمعلمين على حد سواء. إن التحديات التي يواجهها التعليم في مصر لن تُحل بالتأجيل أو المعالجات المؤقتة، بل تحتاج إلى استراتيجية شاملة تعيد بناء النظام التعليمي من الأساس.