في ضربة قاسية لآمال نظام عبد الفتاح السيسي في تخفيف أزمة الغاز التي تعصف بمصر، تواجه استثمارات الغاز الإسرائيلية أزمة غير مسبوقة، في ظل انسحاب الشركات الدولية وتوقف عمليات التوسع في حقول الغاز الكبرى.

صحيفة "هآرتس" العبرية كشفت في تقرير حديث أن قطاع الغاز الإسرائيلي، الذي كان يعتبر بمثابة طوق نجاة لأزمة الغاز في مصر، يعاني من تراجع شديد في الاستثمارات بسبب الحرب الدائرة في المنطقة والهجمات الإيرانية، ما يجعل مستقبل هذا القطاع مليئاً بالغموض والشكوك.

الأزمة المتفاقمة في قطاع الغاز الإسرائيلي
لعدة سنوات، حاولت الحكومات الإسرائيلية السابقة جذب استثمارات كبرى في قطاع النفط والغاز من الشركات العالمية، إلا أن الحرب الحالية والتوترات الأمنية تسببت في تأخير خطط الاستثمار وتجميد توسعات مهمة في حقول الغاز.

أحد أبرز الأمثلة على هذا التراجع هو تأجيل شركة "شيفرون" (Chevron) الأمريكية، التي كانت تعمل على توسيع إنتاج حقل لفيتان، قرارها بالمضي قدمًا في خطتها لزيادة إنتاج الحقل من 1.2 مليار قدم مكعبة يوميًا إلى 1.4 مليار، إذ كانت الخطة تشمل إضافة أنبوب لنقل الغاز إلى الطوافات البحرية. غير أن هذا المشروع تأجل لنصف عام على الأقل، مما أثر بشكل مباشر على خطط التصدير وزيادة الإنتاج.

الأنبوب الذي يربط بين حقل لفيتان والطوافات البحرية هو جزء أساسي من خطط زيادة صادرات الغاز الإسرائيلي. ومع تأجيل هذا المشروع الحيوي، تواجه إسرائيل تحديات كبيرة في تلبية الطلب المتزايد على الغاز سواء في الأسواق المحلية أو العالمية. وفي ظل هذا الجمود، تجد الشركات التي تعتمد على هذا الأنبوب صعوبة في التوقيع على عقود جديدة، ما يعمق الأزمة.

الانعكاسات على مصر وأزمة الغاز
بالنسبة لمصر، كان الغاز الإسرائيلي يُنظر إليه كجزء من الحل لتخفيف الضغط على سوق الطاقة المحلي. نظام السيسي الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة وتزايد الاعتماد على استيراد الغاز لتلبية الطلب المحلي، وجد في الغاز الإسرائيلي مخرجًا مؤقتًا من الأزمة.

ومع بداية تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر عبر خط الأنابيب الذي يربط بين البلدين، كان هناك أمل في استقرار أوضاع الطاقة في مصر، إلا أن التطورات الأخيرة قد تقلب هذه المعادلة رأسًا على عقب.

إيقاف التوسع في حقل لفيتان، بالإضافة إلى التوترات الأمنية المتزايدة، يعني أن مصر قد تواجه صعوبات إضافية في تأمين إمدادات الغاز اللازمة لتلبية احتياجاتها المحلية.

هذا الوضع يزيد من حدة الأزمة الاقتصادية ويؤدي إلى تفاقم العجز في الميزان التجاري للطاقة، وهو ما قد يدفع النظام المصري للبحث عن حلول بديلة أو الاعتماد بشكل أكبر على واردات الغاز المسال بتكلفة أعلى.

الآثار الإقليمية للهجمات الإيرانية وتوسيع الحرب
الهجمات الإيرانية الأخيرة على إسرائيل زادت من تعقيد المشهد، حيث استهدفت إيران منشآت غازية وصناعية في إسرائيل، مما أدى إلى توقف الإنتاج في حقل لفيتان لعدة ساعات. هذه الهجمات جاءت ردًا على اغتيالات سياسية استهدفت قادة في حماس وحزب الله، مما زاد من حدة التوتر في المنطقة. 

الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران على أكثر من جبهة، بما في ذلك في سوريا ولبنان، تجعل من الصعب استئناف عمليات التوسع أو جذب استثمارات جديدة.

وفقًا لصحيفة "معاريف"، تأثرت خطط تطوير البنية التحتية للغاز بشكل كبير، حيث أُوقفت أعمال شركة "مايكروبيري" الإيطالية التي كانت تعمل على إنشاء خط غاز بحري بالقرب من أسدود وعسقلان. تأجيل هذه المشروعات يزيد من كلفة الاستثمارات ويؤثر سلبًا على قدرة إسرائيل على تلبية الطلب المحلي وتصدير الغاز إلى مصر ودول أخرى في المنطقة.

فشل الصفقة بين "بريتش بتروليوم" و"نيو ميد"
لم يكن الانهيار في استثمارات الغاز الإسرائيلي مقتصرًا على العمليات التشغيلية فقط، بل امتد إلى الصفقات التجارية الكبرى. الصفقة التي كانت مخطط لها بين "بريتش بتروليوم" البريطانية وشركة "أدنوك" الإماراتية لشراء نصف أسهم شركة "نيو ميد" الإسرائيلية، الشريك الأكبر في حقل لفيتان، تم تأجيلها بسبب "انعدام اليقين" الناشئ عن الحرب. هذا الانسحاب الدولي يزيد من الضغوط على قطاع الغاز الإسرائيلي ويُضعف من قدرته على تلبية الاحتياجات المحلية والتزامات التصدير.

تأثيرات الأزمة على نظام السيسي
من الواضح أن انهيار قطاع الغاز الإسرائيلي يمثل تحديًا كبيرًا لحكومة السيسي التي كانت تعول على الغاز الإسرائيلي كأحد الحلول لتخفيف أزمة الطاقة في مصر. مع توقف التوسع في حقول الغاز الإسرائيلية، قد تجد مصر نفسها أمام مأزق كبير، حيث سيؤدي هذا الانهيار إلى تراجع إمدادات الغاز من إسرائيل، وزيادة تكاليف الاستيراد من أسواق أخرى، مما يثقل كاهل الموازنة العامة للدولة ويزيد من حدة الأزمات الاقتصادية.
في ظل هذه الظروف، يبدو أن النظام المصري سيضطر إلى البحث عن حلول بديلة لتأمين احتياجاته من الطاقة، سواء من خلال زيادة الاعتماد على واردات الغاز المسال، أو السعي لتسريع مشروعات الطاقة المحلية. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة النظام على تجاوز هذه الأزمة دون تكبد خسائر إضافية.

ختامًا ؛ انهيار استثمارات الغاز الإسرائيلي ليس مجرد قضية إقليمية تخص إسرائيل وحدها، بل له تداعيات مباشرة على مصر، التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الإسرائيلي لتلبية احتياجاتها المتزايدة. مع استمرار التوترات والحرب، يبقى المستقبل غير واضح، فيما قد يواجه نظام السيسي أزمة جديدة في ملف الطاقة تزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.