هاجم رئيس الإنقلاب عبد الفتاح السيسي مجددًا ثورة 25 يناير 2011، خلال تفقده عناصر الفرقة السادسة المدرعة في الجيش الثاني الميداني. في تصريحاته، اعتبر السيسي أن أحداث الثورة كانت إما "ترتيبًا أو سوء تقدير أو مؤامرة"، مستعرضًا نظرية مؤامرة تدّعي أن الهدف من الثورة كان إسقاط الدولة وجناحيها، الجيش والشرطة، مما أدى إلى حالة من الاقتتال الأهلي التي تُعطل فرص التنمية. وهذا الكلام يثير تساؤلات حول نوايا السيسي الحقيقية، ومكانته كحاكم يرفض مواجهة الحقائق.

أزمة اقتصادية متفاقمة
إن تصريحات السيسي تأتي في وقتٍ تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية خانقة، حيث يعاني الشعب من ارتفاع الأسعار وفقدان الدعم. يبدو أن السيسي، بدلاً من معالجة مشاكل الشعب، يميل إلى إعادة كتابة التاريخ ليتناسب مع روايته السياسية. فعندما يتحدث عن "الجهود لمكافحة الإرهاب" دون الإشارة إلى الظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي يشعر به المواطن، يبدو وكأنه يعيش في عالم منفصل عن الواقع.

عقيدة الجيش وتأثيرها على المجتمع
الأكثر إثارة للقلق هو استمراره في تأكيد عقيدة القوات المسلحة كحامية للأمن والاستقرار، دون الاعتراف بالأثر السلبي الذي تركته هذه العقيدة على حياة المواطنين. هل تكتفي القوات المسلحة بحماية الدولة بينما يعاني الشعب من القهر والفقر؟ إن الحديث عن "شرف العسكرية" بينما تُنتهك حقوق الإنسان في الداخل يتناقض بشكل صارخ مع القيم التي تدعي الدولة حمايتها.

القضية الفلسطينية: مجرد تصريحات؟
في معرض حديثه عن القضية الفلسطينية، عبّر السيسي عن دعمه لإقامة دولة فلسطينية، معترفًا بمعاناة سكان غزة. ومع ذلك، تظل هذه التصريحات جزءًا من استراتيجية سياسية لتصوير نفسه كزعيم إقليمي يسعى لتحقيق السلام، بينما تتجاهل حكومته الفقر والبطالة والفساد الذي يضرب مصر. فهل هو فعلاً معني بمصالح الشعب الفلسطيني، أم أنه يحاول تحسين صورته أمام المجتمع الدولي في الوقت الذي يتجاهل فيه الأوضاع المزرية للشعب المصري؟

تكرار الأخطاء التاريخية
إن ما يجري في مصر اليوم هو نتيجة مباشرة للسياسات التي اتبعتها الحكومة بعد ثورة 25 يناير. تصريحات السيسي تؤكد أنه لم يتعلم شيئًا من التجربة التاريخية، بل يصر على تكرار نفس الأخطاء. تلك الثورة، التي قادها الشباب والمواطنون العاديون، كانت تعبيرًا عن رغبتهم في التغيير والعدالة الاجتماعية، لكن السيسي يرى فيها فقط "مؤامرة" تهدف لإسقاط الدولة.

السيسي يروج لفكرة أن الحرب والقتال كانت الخيار الوحيد لتحرير الأرض، معززًا بذلك حالة من الانقسام والتوتر بدلاً من تقديم رؤية شاملة للتنمية والازدهار. ويستمر في الحديث عن "السلام" كخيار استراتيجي لمصر، ولكنه يفشل في تحقيق هذا السلام على المستوى الداخلي. إذ كيف يمكن لبلد أن يسعى للسلام مع جيرانه بينما ينتهك حقوق مواطنيه؟

انتقادات متزايدة للحكومة
الانتقادات التي تُوجه للسيسي تأتي من مختلف الأطياف، حيث يرى الكثيرون أن حكومته لا تتسم بالشفافية ولا تسعى إلى تحقيق مصالح المواطنين. بل إن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة بعد الثورة أدت إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للمصريين، مما يجعل من الصعب تصديق أي تصريحات تدعي الحرص على مصلحة المواطن.

وفي النهاية، يبدو أن السيسي لا يزال أسيرًا لرؤيته الأحادية للأحداث، مدعيًا أن كل من يتحدث عن ثورة 25 يناير هم مجرد أعداء للدولة. إن تاريخ 25 يناير لا يمكن تجاوزه أو تشويهه، بل يجب أن يُعتبر نقطة انطلاق لفهم التحديات التي تواجه مصر اليوم. وفي خضم هذه الأحداث، يبقى السؤال: متى سيتعلم السيسي من دروس التاريخ ويبدأ في الاستماع إلى صوت الشعب بدلاً من محاولات تقويض تطلعاته؟