أصدر "المنبر المصري لحقوق الإنسان" بالتعاون مع "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" تقريرًا يكشف عن القمع الشديد الذي يواجهه المدافعون عن حقوق الإنسان في مصر. التقرير، الذي حمل عنوان "قمع عابر للحدود"، سلّط الضوء على أساليب القمع التي تمارسها السلطات المصرية ضد هؤلاء الأفراد، سواء كانوا داخل البلاد أو خارجها، في محاولة لإسكات أصواتهم المعارضة.

وأبرز التقرير أن هذا القمع لم يقتصر على الانتهاكات الجسدية والنفسية داخل مصر، بل امتد إلى ملاحقات تستهدفهم في الخارج، حتى بعد اضطرارهم للهجرة بحثًا عن الأمان.

انتهاكات ممنهجة وشاملة
أوضح التقرير أن القمع في مصر تصاعد بشكل كبير منذ نهاية عام 2013، حيث شهدت البلاد ارتفاعًا غير مسبوق في أعداد المعتقلين السياسيين. ووفقًا لبعض التقديرات، يتراوح عدد المعتقلين بين 40 ألفًا و60 ألفًا، ما يعكس حجم التحديات التي تواجه الحريات الأساسية.

وقد وثّق التقرير العديد من الانتهاكات التي تعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي، التعذيب، والإخفاء القسري.

وأشار التقرير إلى أن هذه الأساليب القمعية تأتي في إطار "القبضة الأمنية الموسعة"، التي لم تترك مجالًا لممارسة العمل السياسي أو الاجتماعي الحر، مما أدى إلى "إغلاق المجال العام" وقمع أي محاولات للتعبير عن الرأي أو الاحتجاج.

الهجرة بحثًا عن الأمان: هل هي حل؟
وفقًا للتقرير، اضطر العديد من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان إلى مغادرة مصر منذ عام 2013، بحثًا عن ملاذات آمنة تمكنهم من مواصلة جهودهم الحقوقية. إلا أن الهجرة، رغم أنها قد تكون حلًا مبدئيًا للهروب من القمع المباشر، لم توفر لهم الحماية الكاملة من الملاحقات والاستهداف المستمر. التقرير أشار إلى أن المدافعين يواجهون تحديات كبيرة حتى في الدول التي يفترض أنها تحترم حقوق الإنسان.

واستعرض التقرير نتائج عشر مقابلات مع مدافعين عن حقوق الإنسان أُجبروا على مغادرة مصر بين عامي 2017 و2020. وبيّن أن النظام المصري يمارس ضغوطًا كبيرة على هؤلاء النشطاء في المنفى، بما في ذلك محاولات إعادة ترحيلهم إلى مصر، حيث يواجهون نفس أساليب القمع والتعذيب التي فروا منها.

قمع بلا حدود جغرافية
التقرير أكد أن الملاحقات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان لا تقتصر على مصر، بل تمتد إلى دول أخرى، بغض النظر عن نظامها السياسي أو إرثها السلطوي. وأبرز التقرير أن الحكومة المصرية لا تتردد في استغلال القوانين الدولية أو التعاون الأمني مع بعض الدول لترحيل النشطاء، أو على الأقل تضييق الخناق عليهم في حياتهم اليومية خارج البلاد.

وبينما أشار التقرير إلى بعض الأمثلة المحددة على هذا "القمع العابر للحدود"، مثل محاولة ترحيل بعض النشطاء إلى مصر من دول أوروبية، فإنه أكد أن الاستهداف لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يشمل عائلاتهم وأفراد محيطهم الاجتماعي، الذين يواجهون ضغوطًا مستمرة لإجبارهم على وقف أنشطتهم المعارضة.
توصيات لإنهاء القمع
في نهاية التقرير، قدم "المنبر المصري لحقوق الإنسان" و"الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" عدة توصيات، أبرزها:
1.  السلطات المصرية: ضرورة معالجة أوضاع انتهاكات حقوق الإنسان بشكل فوري، بما في ذلك وقف استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان في المنفى وأسرهم داخل مصر. كما دعا إلى مراجعة قوائم مكافحة الإرهاب التي تضم العديد من النشطاء، والتوقف عن سياسات المراقبة وعرقلة إصدار الوثائق الرسمية.
2.  الدول المستضيفة: طالب التقرير بعدم ترحيل النشطاء والمدافعين إلى مصر، وتوفير الحماية القانونية لهم، وحث الحكومات على الالتزام بالقوانين الدولية التي تضمن حقوق هؤلاء الأفراد في الحماية من الملاحقة.
3.  المجتمع الدولي: أكد التقرير أهمية تدخل المجتمع الدولي لوقف حملات التشويه التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظماتهم، ودعا إلى ممارسة ضغط دولي على الحكومة المصرية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.

التحديات أمام مصر في المحافل الدولية
يأتي إصدار هذا التقرير بالتزامن مع اقتراب تقديم مصر لتقريرها الرابع أمام "آلية المراجعة الدورية الشاملة" التابعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي في جنيف خلال شهر أكتوبر المقبل. تسعى الحكومة المصرية من خلال هذا التقرير لتحسين صورتها فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، إلا أن "المنبر المصري لحقوق الإنسان" يؤكد أن الانتهاكات المستمرة ضد المدافعين والنشطاء في مصر وخارجها تُعد عائقًا كبيرًا أمام أي جهود لتحسين الوضع الحقوقي.
ختامًا:
يعكس هذا التقرير حجم التحديات التي يواجهها المدافعون عن حقوق الإنسان في مصر، والذين رغم خروجهم من البلاد لا يزالون يواجهون تهديدات مستمرة. إن القمع العابر للحدود الذي تمارسه السلطات المصرية يشير إلى أن مغادرة الوطن لم تعد كافية لضمان السلامة، مما يضع الدول المستضيفة والمجتمع الدولي أمام مسؤولية كبيرة لحمايتهم وضمان عدم ترحيلهم إلى مصير مظلم داخل السجون المصرية.