تستعد مصر لتقديم تقريرها الرابع أمام "آلية المراجعة الدورية الشاملة" التابعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي بجنيف في أكتوبر المقبل، وهو حدث تسعى من خلاله الحكومة المصرية لتحسين صورتها فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان على الساحة الدولية.

ومع ذلك، تأتي هذه المحاولة في وقت حساس للغاية حيث أصدرت "المنبر المصري لحقوق الإنسان" بالتعاون مع "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" تقريرًا حقوقيًا جديدًا يكشف عن ارتفاع معدلات نزوح وهروب العاملين في المجال العام والحقوقي من مصر إلى مختلف أنحاء العالم، بسبب ما وصفه التقرير بالسياسات "القمعية والسلطوية" التي تستهدف الجماعات والأفراد بلا تمييز.

نزوح القمعيين: رحلة البحث عن ملاذات آمنة
كشف التقرير الذي حمل عنوان "قمع عابر للحدود"، أن الناشطين الحقوقيين والسياسيين المصريين الذين اختبروا القمع والاضطهاد داخل مصر، وجدوا أنفسهم مضطرين إلى مغادرة البلاد بحثًا عن ملاذات آمنة في الخارج، حيث يمكنهم مواصلة أداء مهمتهم في مواجهة آلة القمع المصرية بأمان وحرية أكبر.

ورغم هذا الهروب، يوضح التقرير أن الخروج من مصر لا يضمن الحماية لهؤلاء المدافعين، ولا لعائلاتهم، الذين يستمرون في المعاناة من ملاحقة واستهداف السلطات المصرية لهم في الخارج.

التقرير، الذي يتزامن مع إصدار وثائقي حول ظاهرة القمع العابر للحدود، أشار إلى أن موجة النزوح الكبيرة بدأت منذ صيف 2013، وهو العام الذي شهد الإطاحة بحكومة الرئيس الراحل محمد مرسي وتصاعد القمع في أعقاب ذلك.

وأفاد التقرير أن تلك الموجة أثبتت أن المدافعين عن حقوق الإنسان، سواء كانوا داخل مصر أو خارجها، يظلون هدفًا للاضطهاد، مع محاولات حثيثة لترحيلهم وإعادتهم إلى مصر لاستكمال سياسات القمع والاضطهاد.

تضييق متزايد على المجال العام
وأشار التقرير إلى أن معدلات القمع في مصر شهدت ارتفاعًا غير مسبوق منذ نهاية عام 2013، حيث قُدرت أعداد المعتقلين السياسيين في بعض الإحصاءات بنحو 40 ألف شخص، بينما قدرتها تقديرات أخرى بما يقارب 60 ألفًا.

وجاء هذا القمع الشامل بالتزامن مع إجراءات مشددة أغلقت المجال العام وقلصت بشدة فرص ممارسة العمل السياسي.

وأضاف التقرير أن الحركة الحقوقية في مصر تعد واحدة من أكبر المتضررين من هذا التوجه السلطوي، حيث تواجه ضغوطًا مستمرة واتهامات بالتحريض على المعارضة. وقد تم استهداف العديد من الناشطين الحقوقيين في الداخل على مدار السنوات الماضية، ما دفعهم إلى اللجوء إلى المنفى، الذي لم يضمن لهم الحماية الكاملة.

القمع في الخارج: امتداد للداخل
من خلال عشر مقابلات مع نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان، أجرى التقرير دراسة مفصلة حول ما يواجهه هؤلاء الناشطون في الخارج. وتحدث التقرير عن أساليب القمع العابر للحدود التي تتبعها السلطات المصرية، مثل تتبع الناشطين في دول إقامتهم، ومحاولات ترحيلهم إلى مصر، واستهداف عائلاتهم في الداخل للضغط عليهم.

كما أشار التقرير إلى أن السلطات المصرية لا تتوانى عن استخدام التكنولوجيا لتتبع الناشطين، بما في ذلك استخدام برامج المراقبة والتجسس على أجهزتهم الإلكترونية، وهو ما يؤدي إلى آثار سلبية على حياتهم المهنية والشخصية.

توصيات لوقف الانتهاكات
أوصى التقرير السلطات المصرية بضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التوقف عن استهداف النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في المنفى وأسرهم في الداخل، ومراجعة قوائم مكافحة الإرهاب، وإيقاف سياسات المراقبة التي تتضمن رفض إصدار الوثائق الرسمية لهم.

كما طالب التقرير الدول المستضيفة بتوفير الحماية القانونية للناشطين المصريين وعدم ترحيلهم إلى مصر.

في سياق متصل، دعا التقرير إلى الكف عن حملات التشويه الإعلامية التي تستهدف المدافعين ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، مؤكدًا على ضرورة احترام حقوق المواطنة الأساسية.

ملاحقة الناشطين في الخارج: استمرار للسياسات الداخلية
الناشط السياسي المصري رامي شعث، الذي تعرض للملاحقة داخل مصر وخارجها، أكد أن الدولة المصرية ليست قلقة من صورتها في الخارج، مشيرًا إلى أن ملاحقة المعارضين في الخارج هي استمرار للسياسات التي تطبق داخل البلاد.

وأوضح شعث أن السلطات تستخدم نفس أدوات القمع خارج البلاد، مثل التهديد بالقضايا، ورفض إصدار أوراق الهوية، وتهديد عائلات المعارضين.

من جانبه، صرح منسق تيار الأمل، علاء الخيام، بأن النظام الحالي يرفض بشكل قاطع فكرة المعارضة، سواء كانت داخل البلاد أو خارجها.

وأضاف أن المعارضة المصرية، سواء في الداخل أو في المنفى، تواجه ضعفًا شديدًا، حيث تعاني من عدم القدرة على تشكيل كيان حقيقي قادر على التصدي للنظام.
ختاما؛ يأتي هذا التقرير في وقت حرج لمصر، حيث تسعى الحكومة إلى تحسين صورتها الدولية مع اقتراب تقديم تقريرها أمام "آلية المراجعة الدورية الشاملة".

ورغم ذلك، يبقى القمع العابر للحدود والتضييق على الناشطين في الداخل والخارج تحديًا كبيرًا أمام أي محاولة لتحسين سجل مصر في مجال حقوق الإنسان. يبدو أن الطريق ما زال طويلًا أمام تحقيق الإصلاحات التي يطالب بها النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان.