أثار إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن تقديم المعونة العسكرية السنوية لمصر، والتي تبلغ 1.3 مليار دولار، كاملاً دون اقتطاع أو اشتراطات تتعلق بحقوق الإنسان، العديد من التساؤلات حول دلالات هذا القرار، الذي يأتي لأول مرة منذ 4 سنوات، والأولى خلال ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن.
القرار جاء رغم الانتقادات المتزايدة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، والتي تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة في ظل حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي. ومع ذلك، يبدو أن حسابات السياسة الخارجية الأمريكية لعبت دورًا أكبر في هذا التوجه الجديد.

تبرير القرار الأمريكي
في تصريح للخارجية الأمريكية، أشارت الإدارة إلى أهمية هذا القرار في تعزيز السلام الإقليمي، خاصة في ظل الدور الذي تلعبه مصر في التوسط لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني المستمر منذ 11 شهرًا. ووفقًا للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية، فإن هذا التمويل يساعد في "تعزيز المساهمات المصرية في أولويات الأمن القومي الأمريكي، لا سيما فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في غزة".
كما أشار المتحدث إلى بعض التحسينات التي قدمتها القاهرة في مجال حقوق الإنسان، مثل تقديم مشروع قانون لإصلاح الحبس الاحتياطي، والإفراج عن أكثر من 950 سجينًا سياسيًا منذ سبتمبر 2023. ومع ذلك، لم يغب عن المشهد انتقاد واسع من بعض أعضاء الكونغرس، حيث أكد السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي أن "مصر تظل دولة قمعية بشدة".

كيف يُستخدم الدعم العسكري؟
المعونة الأمريكية لمصر ليست جديدة؛ فهي جزء من الاتفاقية التي وُقعت بين مصر وإسرائيل في عام 1979، والتي تضمنت دعمًا اقتصاديًا وعسكريًا لكلا البلدين. ومنذ عام 1982، تحولت هذه المعونات إلى منح لا تُرد. وبلغت المعونة العسكرية لمصر 1.3 مليار دولار سنويًا، بينما تحصل إسرائيل على 3 مليارات دولار.
في السنوات الأخيرة، قامت واشنطن بحجب أجزاء من المعونة، مع اشتراطات بتحسين أوضاع حقوق الإنسان. ففي عام 2023، حجبت الحكومة الأمريكية 85 مليون دولار لهذا السبب، كما تم حجب 130 مليون دولار في كل من 2021 و2022.
تأتي هذه الخطوة الأمريكية في ظل تصاعد التوتر بين مصر وإسرائيل، خاصة مع إصرار إسرائيل على البقاء في محور صلاح الدين بين مصر وقطاع غزة، وهو ما اعتبرته القاهرة انتهاكًا لاتفاقيات السلام بين البلدين. وفي السياق نفسه، أثار الإعلام الإسرائيلي شكوكًا حول تأخر مصر في قبول السفير الإسرائيلي الجديد، مما قد يشير إلى تأزم العلاقات بين الجانبين.
كما لفتت الأنظار زيارة رئيس أركان الجيش المصري، الفريق أحمد خليفة، لمعبر رفح في بداية سبتمبر 2024، والتي وصفها الإعلام الإسرائيلي بأنها "استعراض للقوة"، ما يشير إلى موقف مصري حازم تجاه التحركات الإسرائيلية في غزة.

دور الصين في الحسابات الأمريكية
إلى جانب دور مصر في غزة، يبدو أن تعزيز التعاون الاقتصادي المصري-الصيني يمثل سببًا آخر لدفع الولايات المتحدة نحو تقديم المعونة العسكرية كاملة. ففي بداية سبتمبر 2024، زار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الصين، وعقد العديد من الاتفاقيات الاقتصادية، مما قد يثير قلق واشنطن من احتمال تحول مصر نحو شراكة استراتيجية أكبر مع بكين.
وبحسب بعض المراقبين، فإن تقديم المعونة العسكرية دون شروط يأتي كمحاولة أمريكية لإبقاء القاهرة في صفها، ومنعها من التوجه نحو الصين، خاصة في ظل توسع الصين في أفريقيا والشرق الأوسط، بما في ذلك مشروعات ضخمة داخل مصر.

انتقادات ودلالات أوسع
يأتي قرار الولايات المتحدة بتقديم المعونة الكاملة لمصر وسط انتقادات واسعة لأوضاع حقوق الإنسان في البلاد، فضلاً عن اتهامات للنظام المصري بتقديم مصالحه الأمنية والسياسية على مصالح الشعب المصري. ويرى بعض المراقبين أن واشنطن ليست معنية بالفعل بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وأنها تستخدم هذا الملف كورقة ضغط حسب الحاجة.
وفي هذا السياق، أشار الكاتب المصري جمال سلطان إلى أن قرار تقديم المعونة العسكرية لمصر لا يرتبط بتحسين العلاقات مع الصين أو إسرائيل بقدر ما يعكس رغبة الإدارة الأمريكية في حشد الحلفاء العرب لدعم استقرار إسرائيل. وأوضح أن واشنطن لا تعبأ بقضايا حقوق الإنسان في مصر أو غيرها بقدر ما تهتم بمصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
في النهاية، قرار الولايات المتحدة بمنح المعونة العسكرية كاملة لمصر يعكس مزيجًا معقدًا من الحسابات الاستراتيجية التي تشمل دور مصر في غزة، وتعاونها الاقتصادي المتزايد مع الصين، فضلًا عن توتر علاقاتها مع إسرائيل. وبينما يتلقى النظام المصري دعمًا أمريكيًا مستمرًا، تبقى تساؤلات كبيرة حول مدى استفادة الشعب المصري من هذه المعونة، ومدى تأثيرها على السياسات الداخلية والخارجية للبلاد.