أعرب نقيب الصحفيين، خالد البلشي، عن الرفض الشديد لمشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي تم طرحه خلال الأيام القليلة الماضية، واصفًا المشروع بأنه “كارثي” ويحتاج إلى نقاشات جادة، داعيًا في الوقت ذاته وقف مناقشته. وقال البلشي، خلال كلمته مؤتمر عقدته نقابة الصحفيين لمناقشة مشروع القانون، إن أي تعديلات على القوانين لا بد أن تخضع لنقاشات جادة، وتقوم على فلسفة واضحة، تحتاج لمشاركة مختلف الرؤى، لأن أي خلل يناله قد يؤدي إلى فقدان الثقة في نظام العدالة.. مشددًا على أنه لا يجب أن يتم تغيير القانون بشكل عام إلا لكي يقدم القانون الجديد ما عجز القانون القديم عن تقديمه من حلول لمشكلات ظهرت في التطبيق العملي. وأضاف البلشي “نؤكد أن الاستجابة لمطلب النقابة بإلغاء المادة (267) من القانون، أرسلت إشارة إيجابية، لكننا نؤكد في الوقت نفسه أننا كنا نتمنى أن يكون التعامل مع مشروع القانون، والاعتراضات المثارة حوله بنفس الطريقة”.. لافتًا إلى أن “البعض ربما كان ينتظر أن تكون هذه الاستجابة بابًا تخرج به نقابة الصحفيين من المشهد، لكننا نؤكد أننا دخلنا هذا الأمر ليس بغرض نقابي، أو مهني فقط، ولكنه دفاع عن حقوق وحريات المجتمع كله”. وتابع “النقابة تجدد مطلبها بضرورة وقف مناقشة هذا المشروع الكارثي، والبدء في حوار مجتمعي حقيقي لوضع قانون جديد يستجيب لتطلعات المجتمع، ويراعي مطالب مختلف الأطراف”. واستكمل البلشي “نقول بضمير مستريح إن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الحالي لا يلبي العديد من المعايير وبعض نصوصه تخالف الدستور بفجاجة ولا يساوي بين سلطة الاتهام والدفاع”.. موضحًا أن “مشروع القانون يجعل المتهم تحت رحمة السلطة التنفيذية أثناء وقائع التحقيق والمحاكمة عن بُعد ولا يجعله قادرًا على التأكد من أن ما دوّن في التسجيل أو المحضر هو بالضبط ما صرح به أثناء التحقيق أو المحاكمة” وإلى نص كلمة نقيب الصحفيين: أهلًا وسهلًا بكم في نقابة الصحفيين في مؤتمرنا لإعلان موقفنا من قانون الاجراءات الجنائية وإصدار رؤيتنا حوله،، في البداية أوجه الشكر للجنة القانونية التي أعدت ورقة ملاحظات نقابة الصحفيين حول مشروع القانون الأساتذة: (المحامي بالنقض نجاد البري -المحامي بالنقض احمد راغب -المحامي محمد الباقر) وهي الورقة التي جاءت استكمالا للمواقف المعلنة للنقابة وجزء من توصيات الندوة التي نظمتها النقابة ولجنة الحريات بها حول المشروع وحضرها لفيف من الصحفيين والقانونيين). كما أوجه الشكر ايضاً لأصحاب الأوراق التي تم الاستعانة بأعمالهم في إعداد هذه الورقة المهمة بموقف النقابة من المشروع والذي ندعو فيه لسحب هذا المشروع الكارثي، ووقف مناقشته لحين الاستماع الجاد لكل الأطراف.. وأصحاب الأوراق هم: 1. مذكرة من الأستاذ المحامي بالنقض جمال سويد من ثمانية صفحات حول مشكلات المشروع. 2. مذكرة من الأستاذ المحامي بالنقض ناصر أمين من ٢١ صفحة حول مشكلات المشروع . 3. مذكرة للمحامي بالنقض الدكتور محمود كبيش العميد الأسبق لكلية الحقوق جامعة القاهرة من ٧ صفحات حول ملاحظات سيادته على مشروع القانون . 4. تعقيب السيد طارق رضوان رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب علي ملاحظات الدكتور محمو كبيش في ٩ صفحات. 5. مذكرة من المحامي الأستاذ كريم عزت من المجموعة المتحدة للقانون في ثلاث صفحات حول بعض النصوص القانونية المعيبة في المشروع . 6. مذكرة من الأستاذ المحامي بالنقض عصام الإسلامبولي حول ملاحظات سيادته علي مشروع القانون في ثمانيه صفحات. الحضور الكرام إن قانون الإجراءات الجنائية هو دستور نظام العدالة، وهو منتج للإنسانية، وليس لبلد بعينه، ولذلك فإن أي تعديلات لا بد أن تخضع لنقاشات جادة، وتقوم على فلسفة واضحة، تحتاج لمشاركة مختلف الرؤى، لأن أي خلل يناله قد يؤدي إلى فقدان الثقة في نظام العدالة، أو اختلال في نسق المعاملات، ودائمًا تجري التعديلات عليه في أضيق نطاق، وفي نصوص محددة نتيجة حاجة مجتمعية فرضتها التطورات، ومن هذا المنطلق جاء الحديث والنقاش المفتوح عن تطوير نصوص الحبس الاحتياطي، وبينما فُتح الباب لمناقشة واسعة وحوار مجتمعي حول هذه النصوص من خلال الحوار الوطني، كانت المفاجأة أنه بينما يتم رفع التوصيات لتحويلها لنص تشريعي كنا أن يتمنى أن يستجيب لمطالب المجتمع، فإن البرلمان فتح الباب لمناقشات داخلية دون حوار حول تعديل شامل للقانون، شمل 550 مادة مما أعطى انطباعًا لدى فئات كثيرة بأن هناك شيئًا يدبر ، خاصة أن مشروع القانون جاء وكأنه يقنن لوضع استثنائي بدلًا من أن يسعى لتغيير هذا الوضع، ولو بالتوافق مع نصوص الدستور، وهكذا ظل المنهج هو دستور للنوايا الحسنة وقوانين تعصف بالحقوق والحريات.
إن تحويل مواد الدستور الخاصة بالحقوق والحريات في كل المجالات بشكل عام، وفي مجال الإجراءات الجنائية بشكل خاص إلى مواد قانونية قابلة للتطبيق يحتاج لجهود متكاملة وتضافر لجميع الرؤى، ويلزم أن يكون بمنتهى الحرص، وبعد مناقشات مستفيضة يشارك فيها كل الخبراء المتخصصين والمهتمين، وبالتالي فلا يجب أن تتم كتابة نصوصه في سرية ومناقشتها بتسرع؛ بل يتعين التروي، وتدقيق ألفاظه، واستنباط معانيه بشكل حكيم. ومن هذا المنطلق، فإننا نرى أنه لا يجب أن يتم تغيير القانون بشكل عام إلا لكي يقدم القانون الجديد ما عجز القانون القديم عن تقديمه من حلول لمشكلات ظهرت في التطبيق العملي، أو استجابة لتغيرات دستورية جعلت نصوصًا في القانون القديم غير دستورية، أو لا تتفق مع روح الدستور، خاصة فيما لو كان الدستور الجديد يتضمن نصوصًا أكثر تقدمية تدعم حريات أفراده في مواجهة تغول السلطة التنفيذية على هذه الحريات. لكن الواضح أن هناك تعجلًا من جانب بعض الأطراف، أو داخل البرلمان في إقرار هذا المشروع – دون سبب معلن ومشروع – رغم المطالبات المتكررة بتأجيل النظر فيه، وطرحه لحوار مجتمعي حقيقي تشارك فيه جميع الأطراف، ففي أقل من أسبوعين أنهت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عملها، وأقرت أكثر من ثلاثة أرباع المواد، التي سبق أن وضعتها اللجنة الفرعية – وأجرت تعديلات لم يتم معرفة ماهيتها – واعتبرت أن 11 سبتمبر هو اجتماعها الأخير لإقرار المشروع وإحالته إلى البرلمان، ورافقت ذلك بهجوم شديد على منتقدي القانون، وهو ما يعظم التساؤلات حول السبب، ويرسل رسائل أن القانون مارٌ لا محالة، ويغلق السبل أمام أي نقاش، وهو ما يدعونا للمطالبة بسحب هذا المشروع الكارثي، ووقف مناقشته لحين الاستماع الجاد لكل الأطراف. من وجهة نظر نقابة الصحفيين، فإننا في البداية لا يسعنا إلا أن نؤكد أن الاستجابة لمطلب النقابة بإلغاء المادة (267) من القانون، أرسلت إشارة إيجابية، لكننا نؤكد في الوقت نفسه أننا كنا نتمنى أن يكون التعامل مع مشروع القانون، والاعتراضات المثارة حوله بنفس الطريقة بحيث لا يتحول الأمر إلى استثناء يفتح الباب لتقديرات سلبية، بل قاعدة للتعامل يتسع معها الأفق للحوار مع مختلف الأطراف. إن البعض ربما كان ينتظر أن تكون هذه الاستجابة بابًا تخرج به نقابة الصحفيين من المشهد، لكننا نؤكد أننا دخلنا هذا الأمر ليس بغرض نقابي، أو مهني فقط، ولكنه دفاع عن حقوق وحريات المجتمع كله، وندرك في الوقت نفسه أن قانونًا ينال من الحقوق والحريات حتى لو بدت فيه نصوص الصحافة متوافقة مع بعض المطالب هو قانون يقيد الصحافة، وينال من حريتها بقدر نيله من حقوق كل الأطراف، فالصحافة والصحفيون لا يعملون بمعزل عن المناخ العام، وأي تقييد لحقوق وحريات الأفراد لن يستثني أحدًا من دفع الثمن بمَن فيهم الصحفيون أنفسهم حال مثولهم لنظام العدالة، فضلًا عن أنه ينال من الثقة في جميع مؤسسات الدولة. المؤكد أننا ما زالت لدينا مطالب مهنية داخل القانون تتعلق بالمادتين (15 و266)، ولكن هذه المطالب لا يمكن أن تأتي بمعزل عن موقفنا من القانون ككل، وحتى لو تمت الاستجابة لها مع الحفاظ على الفلسفة القائمة للقانون، فإننا نؤكد أن مهنتنا ستكون أيضًا في مقدمة الخاسرين. فالصحافة مهنة تعيش بالحرية، وتزدهر من خلال توسيع مساحات الحقوق والحريات في المجتمع، وأي تضييق لها حتى لو جاءت نصوص الصحافة بهية براقة يعزل الصحافة عن سياقها ويفقدها سلاحها الأهم، وهو المناخ الذي تتحرك فيه، ونتحرك فيه جميعًا، وهو تكريس إضافي للوضع المأساوي، الذي تعانيه المهنة. من هذا المنطلق، فإن النقابة تجدد مطلبها بضرورة وقف مناقشة هذا المشروع الكارثي، والبدء في حوار مجتمعي حقيقي لوضع قانون جديد يستجيب لتطلعات المجتمع، ويراعي مطالب مختلف الأطراف، ويحافظ على ثقة المواطنين في نظام العدالة، ويكرس لحقوقهم وحرياتهم، أو الاستجابة للمطالب المرفوعة، ونحن هنا من منطلق مشاركتنا في هذا الحوار نتبنى هذه الدراسة، التي جاءت لتكشف أن 41 مادة من مواد المشروع تخالف مواد الدستور، كما تكشف عن وجود 44 مادة تحتاج لتعديلات جذرية، بينها مادتان على الأقل تتعلقان بعمل الصحافة.
وتؤكد النقابة أن المشروع تم طرحه للنقاش بطريقة تثير الكثير من علامات الاستفهام، وبما لا يتناسب مع تطلعات كل مكونات المجتمع المصري في تعديل قانون يعد ركيزة أساسية في النظام القضائي المصري. كما جاء المشروع لينال من الجهود، التي بذلت في الحوار الوطني، ويثير التساؤلات والشكوك حولها، فبينما شهد الحوار مناقشات ممتدة حول عدد محدود من المواد تخص الحبس الاحتياطي، وبينما تم رفع هذه التوصيات وسط قبول مجتمعي، فوجئ المجتمع بطرح مشروع متكامل يهدر كثيرًا مما تم الاتفاق عليه، ويضم أكثر من 550 مادة دون أي نقاش في رسالة لجميع الأطراف تقول إن ما تم داخل أروقة الحوار، وما تم رفعه من توصيات تم تجاوزه، وبعد أقل من يومين من تثمين جميع الأطراف لما ورد فى بيان الرئاسة حول الحبس الاحتياطي، وسرعة تفاعل الرئيس مع التوصيات ورفعها للحكومة. إن نقابة الصحفيين تشدد على أن إقرار أي تعديلات على مواد الحبس الاحتياطي -دون اتخاذ إجراءات عاجلة لتصفية ملف المحبوسين المؤلم- سيرسل رسالة بأن التعديلات بمثابة حبر على ورق. وتؤكد النقابة أننا لسنا في حاجة للإسراع بتعديل القانون القائم لحل أزمة المحبوسين، بل إن تطبيق نصوصه دون إية تعديلات، وفي ظل وجود إرادة سياسية حقيقية للتغيير سيؤدي على الفور لتصفية جانب كبير من هذا الملف، فعلى صعيد الصحفيين وحدهم يكفينا تطبيق نصوص القانون المعمول به حالياً للإفراج عن 16 صحفيًا محبوسين احتياطيًا، من بين 23 صحفيًا محبوسًا أو صادرًا بحقهم أحكام، فهؤلاء تجاوزت مدد حبسهم الاحتياطي عامين كاملين دون محاكمة، فضلًا عن أنه سينهي ما خلّفه تجاوز نصوص القانون من آثار، سواء في طريقة القبض مما يفتح الباب لإضافة محبوسين جدد، أو ما يترتب على هذا التجاوز من إجراءات، منها منع عدد من الزملاء من السفر، أو التصرف في أموالهم وممتلكاتهم، وبعض متعلقاتهم بعد وضعهم على قوائم المنع من التصرف، والمفارقة أن كثيرًا من نصوص المشروع الحالي، التي تم الترويج لها عبر تعديل مواد الحبس الاحتياطي جاءت لتقنين هذا الوضع، وتحويل الاستثناء لقاعدة بما يهدر حقوق المتهم، ويخالف القانون، وينال من كل الجهود المبذولة في هذا الإطار. إننا إذ نؤكد رفضنا لكل هذه النصوص، فإننا نشدد في الوقت نفسه بأن تعديل مواد الحبس الاحتياطي لن يكتمل إلا بقانون إجراءات قائم على فلسفة واحدة تضمن حقوق الأفراد والمتهمين، ويؤكد وجود إرادة سياسية حقيقية للتغيير، وإنهاء الممارسات التي ساهمت فى تعميق الأزمة المجتمعية. إن تمرير هذا المشروع بنصوصه الحالية حتى لو تم تعديل المواد المتعلقة مباشرة بالعمل الصحفي لن يثنينا عن مواصلة الطريق من أجل قانون عادل لجميع المصريين، فاستمرار هذا الوضع هو ترسيخ لتقييد العمل الصحفي، والصحافة لن تتحرر إلا في مناخ ملائم وحر يحرر العمل الصحفي من القيود، التي تكبل حركة الصحفيين وتعوق حركتهم، وفي نظام عدالة يضمن إجراءات تقاضي حرة لجميع المواطنين. ويكفي أن ننظر إلى ملاحظات اللجنة لنقول بضمير مستريح إن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الحالي لا يلبي العديد من المعايير. 1.بعض نصوصه تخالف الدستور بفجاجة. 2.يوجد به نصان يمكن استخدامهما لتقييد العمل الصحفي، كما أن أغلب النصوص، التي شملتها الدراسة تقييد لقدرة الصحفيين على العمل بحرية، وتضعهم تحت تهديد مباشر يحد من حريتهم ويضعهم تحت قيد إجراءات تنال من حريتهم وحرية الجميع. 3.ينال من مواد الدستور الخاصة بالتقاضي ونظام العدالة، ونحن من دورنا نؤكد أنه لا حرية للصحافة في ظل غياب إجراءات قانونية تضمن العدالة للجميع، وهو ما جاءت الملاحظات التالية في الدراسة لتشير إلى مخاطره مؤكدة أن: -المشروع لا يساوي بين سلطة الاتهام وحقوقها والدفاع وحقوقه وضماناته؛ ويغلب الأولى على الثانية. -لا يتيح التظلم إلى القضاء في قرارات النيابة العامة بشأن سير التحقيق. -لا يعطي المتهم والمدافع عنه الحق في المطالبة ببطلان الإجراءات إن تبين له بطلانها في مرحلة المحاكمة وفاته أن يتمسك بها، أو خشي أن يتمسك بها في مرحلة التحقيق الابتدائي. -يجعل من الحكم الغيابي التهديدي حكمًا واجب النفاذ يمنع المتهم من إدارة أمواله، والتصرف فيها. -لا يضمن انتهاء النيابة العامة للتحقيقات في وقت مناسب، الأمر الذي يؤدي إلى أن يظل سيف الاتهام مرفوعًا فوق رأس المتهم لمدة غير محددة، ويفتح الباب أمام استمرار خضوعه لإجراءات تحفظية لمدة غير محددة. – يجعل المتهم تحت رحمة السلطة التنفيذية أثناء وقائع التحقيق والمحاكمة عن بُعد؛ ولا يجعله قادرًا على التأكد من أن ما دوّن في التسجيل، أو المحضر هو بالضبط ما صرح به أثناء التحقيق أو المحاكمة.
ومن هذا المنطلق، فإننا نتقدم بهذه الدراسة لكل البرلمان، ولكل الجهات المختصة، وللزملاء الصحفيين في البرلمان لنعمل معًا لوقف هذا المشروع الكارثي، كما نعلن تضامننا مع كل الآراء القانونية والدستورية المعترضة على مشروع القانون، وكل الجهود الرامية إلى خروج القانون بشكل يصون حقوق المجتمع، ويكفل الضمانات اللازمة لحقوق المواطنين بإجراءات قضائية عادلة وفق نصوص مجردة وواضحة غير قابلة للتأويل.