لا يكاد يمر أسبوع إلا ويظهر اسم رجل قبائل سيناء، الذي تحول من معتقل متمرد في سجون مصر، لرجل أعمال بارز وواجهة لـ”بيزنس” جنرالات جيش النظام، إبراهيم العرجاني، في صفقة استثمارية جديدة داخل “أرض الكنانة” أو خارجها.

بعدما ظهر بشكل رسمي في غرب ليبيا تحت غطاء الأعمال والمشاريع، مع وفد من المخابرات المصرية زار رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في 17 مايو/أيار 2023، لبحث مشروعات تنفذها مصر في ليبيا.

عاد ليظهر بشكل مريب مع نجل القائد الليبي المتمرد خليفة حفتر (بلقاسم) المدعوم من الإمارات، في تجارة جديدة شرق ليبيا، لا تخلو من ترتيبات أمنية عبر الحدود المصرية الليبية، بحسب تقرير لموقع “الاستقلال”.

انتقال “سمسار غزة” إلى ليبيا، وامتداد ذراع أخطبوط مشاريع جيش النظام المصري عبر الحدود طرح تساؤلات حول الهدف، هل هو “بيزنس” فقط أم يشمل ترتيبات أمنية أيضا تمتد لتنسيق حفتر مع العرجاني في ملف حماية المنافذ البرية عبر الحدود (مساعد والسلوم).

وأسس العرجاني بشكل غامض “اتحاد القبائل العربية”، والذي يعني امتداد نفوذه من سيناء لكل مناطق القبائل في مصر شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وضمنها مناطق الحدود مع ليبيا، بعدما صار ذراعا رسميا للسلطة.

بديل غزة

ولأن إسرائيل عطلت عمل العرجاني والجيش باحتلالها معبر رفح وتدميره، وعرقلت بذلك تجارة العرجاني ورئيس النظام عبد الفتاح السيسي في آلام الفلسطينيين عبر شركة “هلا”

والتي كانت تدرّ لهم قرابة 30 مليون دولار شهريا إتاوات من الفلسطينيين في مصر، وفق قناة “سكاي نيوز” البريطانية مطلع مارس/آذار 2024، فقد اتجه بيزنس “العرجاني-الجنرالات” لليبيا ومناطق حدودية مصرية أخرى.

شركتا “أبناء سينا” و”هلا”، اللتان لعبتا دورا مهما في عملية ابتزاز الفلسطينيين المسافرين من غزة إلى مصر عبر ما يُسمى “تنسيقات معبر رفح” مقابل ما يتراوح بين 5-12 ألف دولار لكل فرد، تعطل عملهم منذ احتلال رفح 7 مايو 2024.

وكان تأسيس “اتحاد القبائل العربية” في مصر مطلع مايو 2024، وقبل احتلال إسرائيل معبر رفح مباشرة، مثيرا للتساؤل حول أهداف، ومخاوف من تحوله إلى كيان موازٍ للدولة، خاصة مع امتلاك بعض القبائل المكونة له السلاح.

لكن تحول بيزنس العرجاني من غزة إلى ليبيا كشف جانبا عن فوائد وربما أسباب تأسيس هذا الاتحاد، رغم تكهنات تجميد نشاطه في 22 مايو بعد ردود الأفعال الشعبية المناهضة له وأنباء وجود “خلافات” وانتقادات من داخل الجيش له.

صحيفة “لوموند” الفرنسية قالت إنه “تمت ترقية الزعيم البدوي إبراهيم العرجاني، الذي احتكر تجارة الدخول والخروج المربحة من غزة إلى رئاسة اتحاد قبلي مسؤول عن تأمين حدود البلاد”

وأكدت في 24 مايو 2024 أنه منذ سيطرة الدبابات والجنود الإسرائيليون على معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة وسيناء، تعطل بيزنس العرجاني مع غزة وخسرت الشركة ملايين الدولارات وربما تسعى لتعويضها عبر منافذ حدودية أخرى.

وعدت هذا توسيعا لسيطرة ونفوذ العرجاني إلى المناطق الحدودية بعدما أصبح “رئيس اتحاد القبائل العربية” لا سيناء فقط.

وكان النائب والصحفي المتحدث باسم اتحاد قبائل العرجاني العربية، مصطفى بكري، زاد الطين بلة بتأكيده على دور الاتحاد في المناطق الحدودية، وهي مهام القوات المسلحة والشرطة أساسا، ما أثار تساؤلات حول أهداف هذا الاتحاد الحقيقية.

وكانت الاتفاقات التي وقعها رئيس صندوق الاستقرار وإعادة إعمار ليبيا، “بلقاسم” نجل اللواء الليبي حفتر في 7 يوليو/تموز 2024، مع رئيس مجلس إدارة شركة أبناء سيناء، العرجاني، مؤشرا لتمدد هذا البيزنس من جنوب مصر لغربها برعاية العرجاني والجيش.

حيث وقع بلقاسم حفتر، مع شركة العرجاني عقود 6 مشاريع تشمل إنشاء 6 جسور جديدة بمدينة درنة، وجسرين بمدينة أجدابيا.

وذلك لتعمير مناطق في درنة ومدن الجبل الأخضر تعرضت للدمار عقب الإعصار الشهير في سبتمبر/أيلول 2023، وتنفيذ عدة كباري علوية وطرق بدل التي تدمرت.

وسبق أن ظهر العرجاني في يناير 2024 مع وزير النقل الأسبق هاني ضاحي في درنة للتوقيع على عقود لتأسيس كباري ضمن خطة إعادة إعمار المدينة التي تسيطر عليها مليشيا حفتر، وتشارك فيها شركة “جلوبال كاونتركاتنج” الإماراتية.

وامتدت علاقة “العرجاني” إلى خارج مصر، إذ حصل من خلال شركته “نيوم للتطوير العقاري”، مطلع 2024 على عقود لإنشاء عدد من المشروعات الخاصة بـ”صندوق إعادة إعمار درنة الليبية”، والذي تموله الإمارات بشكل كامل.

هذه الاتفاقات الأخيرة، وسر توقيتها، لا يمكن فصلها عن تعطل بيزنس غزة، والسعي لتعويضه في ليبيا، لكن الجديد أنها ربما تتضمن جانبا أمنيا يتعلق بإدارة معابر الحدودية بين مصر وليبيا بخلاف الاتفاقيات الاستثمارية، وفق مصادر ليبية.

ألمح لهذا الجانب الأمني، الكاتب أحمد سليمان العُمري عبر منصة “أكس” مؤكدا أن العرجاني لا يختلف كثيرا عن نجل حفتر، بلقاسم، والذي يتولى ملف الإعمار في الشرق الليبي، ويمثل قيادة جيش حفتر.
وأكد أن الأمر لن يبقى عند التنسيق الاستثماري والاقتصادي، وأن العرجاني مطلوب لإدارتها هذه الصفقات أمنيا أيضا، كما فعل في قطاع غزة، عبر المنافذ البرية بين البلدين (امساعد) و(السلوم)، للسيطرة وبسط نفوذه على هذه المناطق.

ويُعتقد أن بيزنس العرجاني في ليبيا له علاقة أيضا بالتنافس بين حفتر والدبيبة على تقوية العلاقات مع مصر في ظل الصراع الداخلي بينهما، حيث بادر كل طرف لتوقيع عقود إعمار مع مصر وكان العرجاني طرفا فيها.

في حين قام الدبيبة بتقديم وعود لحل أزمة الكهرباء واستثمارات في مصر مستغلا أزمة النظام الاقتصادية، سعي حفتر وأبناؤه بدوره لكسب مزيد من الدعم السياسي والأمني عبر تحسين علاقاته مع النظام المصري من خلال التعاون الاقتصادي.

وعرضت حكومة الدبيبة على مصر المساعدة في حل مشكلة انقطاع الكهرباء، وبحث رئيسها مع رئيس وزراء النظام المصري مصطفى مدبولي بالقاهرة في 4 يوليو 2024 تقديم الدعم اللازم لمصر في مجال الكهرباء، وفق وكالة الأنباء الليبية.

وأوضحت مصادر مصرية وليبية لـ “الاستقلال” أن “مصالح متبادلة” ذات طبيعة اقتصادية وسياسية، فرضت هذا الترحيب المصري بالدبيبة بعد قطيعة 3 سنوات، أبرزها عرض رئيس حكومة ليبيا حلولا لإنهاء إظلام مصر الذي يحرج سلطات النظام برئاسة السيسي أمام الشعب.

ودفع هذا حفتر للتحرك في خطط إسناد مشاريع إعمار شرق ليبيا ودرنة للشركات المصرية التابعة للجيش في صورة العرجاني لتعزيز شراكته مع نظام السيسي أيضا بعد فترة تلكؤ لغياب التمويل.

توسع خارجي

وبجانب نشاط الاقتصادي داخل مصري، توسع بيزنس “العرجاني-الجنرالات” في السنوات الأخيرة لدول خارجية أبرزها الإمارات وليبيا والسعودية وقطر، بجانب دوره في غزة.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، دخل العرجاني شريكا كوكيل لسيارات بي إم دبليو وميني كوبر في مصر، مع تحالفين كويتي (مجموعة علي الغانم وأولاده للسيارات)، وسعودي (شركة محمد يوسف ناغى موتورز)، في مجموعة واحدة، أطلق عليها اسم “جلوبال أوتو للسيارات”

وعام 2023، تحالف العرجاني مع شركة “وورلد وايد للاستشارات” الإماراتية، وشركة “برنارد هاريسون” السنغافورية، عبر شركته “أبناء سيناء” وشركة “حدائق” لتطوير حديقة الحيوان في الجيزة.

وحصلت الشركة الإماراتية على عقد انتفاع تشغيل الحديقة مدة 5 سنوات، بينما حصلت الشركة السنغافورية على عقد تصميمها، وتولت “أبناء سيناء” الأعمال الإنشائية.

وهناك فرع لشركة العرجاني “أبناء سيناء” في مدينة دبي الإماراتية، كما أن لها مقر را سميا في السعودية.

كما حصل العرجاني من خلال شركته “نيوم للتطوير العقاري”، على عقود لإنشاء عدد من المشروعات الخاصة بـ “صندوق إعادة إعمار درنة الليبية”، والذي تموله الإمارات بشكل كامل، ضمن دعمها الانقلابي خليفة حفتر ونجله “بلقاسم حفتر”

وفي 24 مايو 2024، وقعت العرجاني جروب وشركة الديار القطرية للاستثمار العقاري، عقد شراكة إستراتيجي لتنفيذ مشروع سيتي جيت بالتجمع الخامس بالقاهرة الجديدة والبرج السكني بفندق سانت ريجينس ومشروع فندقي بمدينة شرم الشيخ والغردقة.

كما أن أحد شركاء العرجاني، هو عملاق تجارة السيارات السعودي محمد يوسف ناغي، رئيس مجلس إدارة غرفة جدة.

وسبق أن وصفت صحيفة “التايمز” البريطانية 29 أبريل 2024 العرجاني بأنه “جزء من رؤية 2030 الخاصة بالسعودية وولي عهدها محمد بن سلمان”.

وللعرجاني 9 شركات هي، “أبناء سيناء للتجارة والمقاولات”، و”أبناء سيناء للتشييد والبناء”، و”مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار”، و”نيوم للتطوير العقاري”، و”أيتوس للخدمات الأمنية”، و”هلا للاستشارات والخدمات السياحية”

و”سيناء للخير”، و”العرجاني للتطوير العقاري”، و”إي جي مكيس للخرسانة الجاهزة”، ويعمل بتلك المجموعات حوالي ألف موظف، إضافة إلى 3 آلاف و200 عامل ومهندس، وتنفذ ما يزيد عن 450 مشروعا

“بيزنس” سوداني

كان لافتا أن تمدد بيزنس الحدود للعرجاني وشركائه من جنرالات الجيش، وصل إلى جنوب مصر ومنطقة الحدود مع السودان أيضا بعدما أوقفت القاهرة تأشيرات للسودانيين منذ يناير 2024.

صفحات لشركات سياحة مجهولة تُسمى “زول سفر” بدأت تعلن عن “موافقات أمنية سريعة لدخول مصر متوافرة للسودانيين ومختلف الجنسيات الأخرى وتعرض أسعارها سرا على من يريدون، على طريق بيزنس معبر رفح.

طرح هذا تساؤلات حول علاقة هذه الصفحات بالعرجاني، أم سماسرة آخرين، لكن خبيرا سياحيا قال لـ”الاستقلال” إن ما تعرضه هذه الصفحات هو نفس ما كانت تفعله شركة “هلا” التابعة للعرجاني، عبر مواقع إنترنت وتنسيقات بآلاف الدولارات مع أهالي غزة.

وألزمت مصر جميع السودانيين بالحصول على تأشيرة دخول بدءا من 10 يونيو 2023.

وكانت التأشيرات يتم إصدارها من قنصلية مصر في بورتسودان فقط، وكانت القنصلية لا تُصدر سوى 66 تأشيرة شهريا أي بمعدل 2 يوميا، ما أسهم في انتشار أنشطة سماسرة السوق السوداء لتسهيل إصدار التأشيرات.
وكشفت مصادر سودانية أن سعر التأشيرة للفرد الواحد يبلغ 1000 دولار وللأسرة 2000 دولار، بالإضافة إلى تضاعف أسعار الطيران من بورتسودان.

ونتيجة الحرب المستعرة في السودان ورغبة سودانيين في الدخول لمصر بسرعة هربا منها اتبعوا طرقا أخرى، منها اللجوء للسماسرة أو الهجرة عبر دروب صحراوية صعبة في عز الحر ما نتج عنه مصرع العشرات منهم جوعا وعطشا، وفق صحف سودانية.

وواكب هذه التشديدات مع السودانيين، إعلان حكومة النظام المصري في 6 يوليو 2024 عن منح مهلة أخيرة حتى 30 سبتمبر 2024 للأجانب كافة المقيمين على أراضيها، بلا تأشيرة، لتوفيق أوضاعهم وتجديد إقاماتهم.

وأعلنت أنه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال غير المصريين الذين لم يستخرجوا الإعفاء من الإدارة العامة للجوازات والهجرة والتعامل معهم بصفتهم مخالفين لضوابط الإقامة بالبلاد.

ولا يحمل “العرجاني” أية صفة سياسية أو برلمانية أو تنفيذية، وكان مجرد سجين سابق وتاجر متهم بتهريب البضائع والسلاح والمخدرات، إلا أنه دائم الظهور حاليا إلى جانب السيسي، في المؤتمرات والفعاليات المتعلقة بسيناء، ويسير بموكب يضم 40 سيارة كأنه رئيس دولة داخل الدولة.

وحاول السيسي منحه دورا رسميا في يناير 2022، حين عينه عضوا بمجلس إدارة “الجهاز الوطني لتعمير شبه جزيرة سيناء” (هيئة اقتصادية عامة تتبع الرئاسة منذ تأسيسها عام 2012 وصدر قرار عام 2020 بنقل تبعيتها للجيش).

وبسبب العلاقة الوثيقة بينه وبين السلطة، عين السيسي رئيس المخابرات الحربية السابق في شمال سيناء، اللواء لؤي زمزم نائبا لرئيس مجلس إدارة مجموعة شركات العرجاني التي تضم 8 شركات تعمل في مجالات مختلفة.

وأبرز تلك الشركات، هي شركة أبناء سيناء للتشييد والبناء، التي تحتكر أعمال الإعمار في غزة بعقد قيمته 500 مليون دولار، وستتولى تنفيذ أعمال في ليبيا.

كما تتولى شركته مصر سيناء بالتعاون مع الجيش، مهمة تصدير البضائع والمنتجات إلى غزة، وتحقيق أرباح ضخمة.

وكدليل آخر على أنها مجرد واجهة لبيزنس الجيش، عين نظام السيسي وزيرين في شركات العرجاني، الأول وزير الإسكان السابق، عاصم الجزار، الذي انتقل من كرسي الوزير إلى كرسي رئيس مجلس إدارة شركة نيوم للتطوير العقاري، المملوكة للعرجاني أيضا.

رغم مخالفة هذه الخطوة لقانون تضارب المصالح الذي يحظر تولي المسؤول منصبا في شركة مرتبطة بعمله السابق لمدة ستة أشهر.

وكان “الجزار”، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة “نيوم” المصرية، التابعة لمجموعة العرجاني، هو الذي وقع عقود شرق ليبيا مع بلقاسم خليفة حفتر، مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، لتنفيذها في درنة ومدن الجبل الأخضر.

والثاني هو وزير قطاع الأعمال، محمد شيمي، الحالي، الذي اضطر للاستقالة من رئاسة مجلس إدارة شركة كادنيس للطاقة، التابعة لمجموعة العرجاني، بعد انتقادات على مواقع التواصل لتداخل الاختصاصات.

وشهدت الشهور الأخيرة سلسلة من عمليات ترقية أبناء حفتر، حيث تم تصعيد ثلاثة من أبناء حفتر (81 عاما) الستة إلى مناصب قيادية بشرق ليبيا، ما أثار تكهنات بشأن خطط مستقبلية لتوسع نفوذ أبنائه.

إذ تم تعيين ابنه الأصغر، صدام، رئيسا لقواته البرية المسيطرة على الشرق والجنوب، بينما منح نجله خالد، منصب رئاسة الوحدات الأمنية بصلاحيات واسعة داخل “الجيش الليبي”

ويترأس ابنه الآخر، بلقاسم حفتر صندوق إعادة إعمار ليبيا، بموجب قرار من برلمان طبرق في فبراير 2024، وهو الذي يتولى تنسيق الاستثمار مع العرجاني وجنرالات مصر.